زيارة ابو طالب عليه السلام بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم السلام عليك ياسيد البطحاء وابن رئيسها ،السلام عليك ياوارث الكعبة بعد تأسيسها ،السلام عليك ياكافل الرسول وناصره ،السلام عليك ياعم المصطفى وابا المرتضى ، السلام عليك يابيضة البلد ،السلام عليك ايها الذاب عن الدين والباذل نفسه في نصرة سيد المرسلين،السلام عليك وعلى ولدك أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام

‏إظهار الرسائل ذات التسميات فاطمة بنت اسد رضوان الله عليها. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فاطمة بنت اسد رضوان الله عليها. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 3 يناير 2012

شفاعة فاطمة بنت أسد

فاطمة بنت أسد من جملة أولياء الله المقرّبين الذين شفّعهم في قوله عزّ من قائل: ولا تَنفَعُ الشفاعةُ عِنَدهُ إلاّ لِمَن أَذِنَ له   وقوله تعالى: مَن ذا الّذي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاّ بإذنهِ ، وستشفع فاطمة بنت أسد ويشفع الأئمّة من ذريّتها لمحبّيهم ومُترسّمي خطاهم ومتّبعي نهجهم، من الذين ارتضاهم الله تعالى. قال سبحانه: ولا يَشفَعونَ إلاّ لِمَنِ ارتضى .
وجاء في الرواية أنّ الإمام الصادق عليه السّلام علّم أحد أصحابه التوسّلَ بفاطمة بنت أسد لقضاء حاجةٍ له، فروى داود الرّقّي قال: دخلتُ على أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام، ولي على رَجُلٍ دَين وقد خِفتُ تواه ( أي ضياعه )، فشكوتُ ذلك إليه، فقال: إذا مررتَ بمكّة فطُف عن عبدالمطّلب طوافاً وصَلِّ عنه ركعتَين، وطُف عن أبي طالب طوافاً وصَلِّ عنه ركعتَين، وطُف عن عبدالله طوافاً وصَلّ عنه ركعتَين، وطُف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتَين، وطُف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثمّ ادعُ اللهَ عزّوجلّ أن يردّ عليك مالَكَ. قال: ففعلتُ ذلك، ثمّ خرجتُ من باب الصَّفا، فإذا غريمي واقف يقول: يا داود حَبَسْتَني! تعالَ فاقْضِ حقَّكَ .
وقد نالت هذه السيّدة الجليلة هذا المقامَ الرفيع في الدنيا، وعُدّت في الآخرة في عداد الشفعاء الذين يَشفَعون فيُشفّعهم الله تعالى. وقد جاء في زيارتها ( وسنوردها في آخر الفصل ) عبارة «... ولا تَحرِمني شفاعَتَها وشفاعةَ الأئمّةِ من ذرّيتها... وأدخِلني في شفاعتها... ».
ولم تَنَل بنت أسد مقام الشفاعة السامي الاّ في ظِلّ متابعة النبيّ صلّى الله عليه وآله، والتنزّه عن عبادة الأصنام، والثبات في توحيد الله عزّوجل، وقد برهنت هذه المرأة أنّ المخلوق الضعيف يمكنه أن يرقى في الكمالات، وأن يصون نفسه أمام سيل الحوادث والبلايا، متمسّكاً بعبادة الواحد الأحد الذي لا شريك له.
من رواة النور
ظلّ حفظ الوقائع والأخبار، وحفظ الأحاديث الصادرة عن نبيّ الهُدى صلّى الله عليه وآله وأئمّة الدين منحصراً فترة صدر الإسلام في صدور الصحابة، وكان هؤلاء الرواة يتناقلون أحاديث النبيّ صلّى الله عليه وآله ووقائع الإسلام عن طريق التحديث. وكان من بين هؤلاء الرواة عدّة نساء حَظَينَ ـ إضافةً إلى إدراك محضر المعصوم عليه السّلام ـ بفخر نقل الحديث عنه. ومن هؤلاء النسوة فاطمة بنت أسد وابنتها المكرّمة أم هانئ.
وقد ذكر بعض المؤرّخين أنّ هذه السيّدة الجليلة (فاطمة بنت أسد ) نقلت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله 46 حديثاً. ونتعرّض في هذا المجال إلى إحدى هذه الروايات، نقلاً عن كتاب (الخرائج والجرائح) للقطب الراوندي:
إنّه لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: مَن يَكفُل محمّداً ؟ قالوا: هو أكيس منّا، فقل له يختار لنفسه، فقال عبدالمطّلب: يا محمّد! جدّك على جناح السفر، أيّ عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك ؟
فنظر في وجوههم، ثمّ زَحَف إلى عند أبي طالب، فقال له عبدالمطّلب: يا أبا طالب، إنّي قد عَرَفتُ ديانتكَ وأمانتك، فكُنْ له كما كنتُ له. قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنتُ أخدمه، وكان يدعوني الأمّ ...

عناية فاطمة بنت أسد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله

وكانت فاطمة بنت أسد تُعنى بالنبيّ صلّى الله عليه وآله عناية خاصّة وتُؤثِره على أولادها. وعُرف عنها أنّ أبا طالب لمّا أتاها بالنبيّ صلّى الله عليه وآله بعد وفاة عبدالمطّلب وقال لها:
اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي، وإيّاكِ أن يتعرّض عَلَيه أحدٌ فيما يريد.
فتبسّمت فاطمة ( بنت أسد ) من قوله، وكانت تؤثره على سائر أولادها ـ وكان لها عقيل وجعفر ـ فقالت له:
توصيني في وَلدي محمّد، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي ؟!
ففرح أبو طالب بذلك .
وعلى الرغم من تصريح هذه الرواية بأنّ فاطمة بنت أسد كانت ذات أولاد عند كفالتها للنبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنّ بعض الروايات تدلّ على أنّها لم تكن ذات ولد حينذاك، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله رأى رغبتها في الولد، فقال لها:
يا أُمّه، قرِّبي قُرباناً لوجه الله تعالى خالصاً، ولا تُشركي معه أحداً، فإنّه يرضاه منكِ ويتقبّله ويُعطيك طلبتَكِ ويُعجّله، فامتثلتْ فاطمة أمره وقَرَّبتْ قرباناً لله تعالى خالصاً، وسألَتْهُ أن يرزقها لداً ذَكَراً، فأجاب الله تعالى دعاءها  .
ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأنّ كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله قد تقدّم على زمن كفالة أبي طالب له صلّى الله عليه وآله، وينبغي الالتفات إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يَكبُر أميرَ المؤمنين عليه السّلام بثلاثين عاماً، ممّا يستوجب أن يكون عمره مماثلاً لعمر طالب ولد أبي طالب، ولابدّ إذاً أن يكون عقيل وطالب ـ على أقلّ تقدير ـ قد وُلدا في زمن كفالة فاطمة بنت أسد رسولَ الله صلّى الله عليه وآله.
وعلى أيّ حال ـ فقد اعتَنَت فاطمةُ بنت أسد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله عناية فائقة، وأولَتْه رعايتها وحبّها، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس. وقد أشار الإمام الصادق عليه السّلام إلى ذلك بقوله: « كانت ( فاطمة بنت أسد ) مِن أبَرِّ الناسِ برسول الله صلّى الله عليه وآله » .
وكانت تغسّله وتدهن شَعره وتُرجّله، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ « أمّي »
فلمّا جاءه أميرُ المؤمنين عليه السّلام مضطرباً بعد ذلك بسنين، سأله النبيّ صلّى الله عليه وآله عمّا به، فقال: أمّي ماتت. قال: فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: وأمّي واللهِ، ثمّ بكى وقال: وا أمّاه!  .
وينبغي أن لا ننسى أنّ لعلائم النبوّة التي كانت فاطمة بنت أسد تشاهدها في محمّد صلّى الله عليه وآله وهو صبيّ صغير، الأثرَ الكبير في المحبّة الخاصّة التي انطبعت في قلب فاطمة، ممّا جعلها تكثر إكرامه ورعايته. ومن تلك العلامات والكرامات: ما شاهدته في بستان دارها.
قالت: كان في بستان دارنا نَخلات، وكان أوّل إدراك الرُّطَب، وكان أربعون صبيّاً من أتراب محمّد صلّى الله عليه وآله يدخلون علينا كلّ يوم في البستان ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً أخذ رُطبةً من يدِ صبيّ سَبَقَ إليها، والآخرون يختلس بعضُهم من بعض. وكنتُ كلّ يوم ألتقط لمحمّد صلّى الله عليه وآله حَفنةً فما فوقَها، وكذلك جاريتي. فاتّفق يوماً أن نَسيتُ أن ألتقط له شيئاً ونَسِيَتْ جاريتي، وكان محمّد صلّى الله عليه وآله نائماً، فدخل الصِّبيان وأخذوا كلّ ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمتُ ووضعتُ الكُمّ على وجهي حياءً من محمّد إذا انتبه.
قالت: فانتبه محمّد ودخل البستان، فلم يَرَ رطبةً على الأرض فانصرف، فقالت له الجارية: إنّا نَسِينا أن نلتقط شيئاً، والصِّبيان دخلوا وأكلوا جميع ما سقط.
قالت: فانصرف محمّد صلّى الله عليه وآله إلى البُستان، وأشار إلى نخلة وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع. قالت: فرأيتُ الشجرة قد وَضَعتْ أغصانَها التي عليها الرُّطب حتّى أكل منها محمّد صلّى الله عليه وآله ما أراد، ثمّ ارتفعتْ إلى موضعها .

وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)

وحيث بلغ بنا الحديث إلى ذكر مناقب هذه السيّدة الجليلة فلا بأس بالإشارة إلى بعض المقتطفات التي تدلّ على مقامها الشامخ ومكانتها الرفيعة، وذلك في حديث وفاتها (سلام الله عليها).
فعن عبد الله بن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مه يا علي.
فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد!.
قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: رحم الله اُمّك يا علي، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتى أجيء فإليّ أمرها.
قال: وأقبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي(صلى الله عليه وآله وسلم)فصلّى عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة لم يصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلى القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع لـه أنين ولا حركة..
ثم قال: يا علي اُدخل، يا حسن اُدخل، فدخلا القبر، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال لـه: يا علي اُخرج يا حسن اُخرج، فخرجا، ثم زحف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى صار عند رأسها ثم قال: يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي.
ثم قال: اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت.
ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي.
فقام إليه عمّار بن ياسر فقال: فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة.
فقال: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي؟
لقد كان لها من أبي طالب (عليه السلام) ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.
قال: فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟
قال: نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة.
قال: فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟
قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلى ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة .
وفي بعض الروايات أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كبر على جنازتها سبعين تكبيرة ممّا يدلّ على عظمتها، ففي الحديث أنّه لمّا حانت وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عليها وكبّر سبعين تكبيرة ثم لحّدها في قبرها بيده الكريمة، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّما صلّى عليها سبعون صفّاً من الملائكة.
وإلى جانب ذلك، فإنّ عظم التجليل الذي أولاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لها عند وفاتها وتشييعها ودفنها يدلّ بوضوح على عظم مقامها الرفيع.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من مكة إلى المدينة على قدميها، وكانت من أبرّ الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يبعثك كاسية.
وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك.
وقالت لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً: إنّي اُريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلمّا مرضت أوصت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمرت أن يعتق خادمها واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إيماءً، فقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصيّتها.
فبينما هو(صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك؟
فقال: ماتت اُمّي فاطمة.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):واُمّي والله،وقام مسرعاً حتى دخل فنظر إليها وبكى.
ثم أمر(صلى الله عليه وآله وسلم)النساء أن يغسلنها وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا فرغتنّ فلا تحدثنّ شيئاً حتى تعلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لِمَ فعلته.
فلمّا فرغن من غسلها وكفنها دخل(صلى الله عليه وآله وسلم)فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه.
ثم قال: فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكبّ عليها طويلاً يناجيها ويقول لها: ابنك ابنك (ابنك)، ثم خرج وسوّى عليها ثم انكبّ على قبرها، فسمعوه يقول: لا إله إلاّ الله اللهمّ إنّي أستودعها إيّاك، ثم انصرف.
فقال لـه المسلمون: إنّا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم؟
فقال: اليوم فقدت برّ أبي طالب إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها، وإنّي ذكرت القيامة وأنّ الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية، وذكرت ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك فكفّنتها بقميصي، واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، فإنّها سُئلت عن ربّها فقالت، وسُئلت عن رسولها فأجابت، وسُئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها، فقلت: ابنك ابنك (ابنك)

إيمان فاطمة بنت أسد (عليها السلام)

ويستفاد من هذه الرواية وغيرها أن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لـه تعالى على دين إبراهيم (عليه السلام) ولم تكن تعبد الأصنام أبداً لا كسائر الجاهليين، فلما بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت من السابقات إلى الإسلام والمؤمنات بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم).

فاطمة بنت اسد تتحدّث عن ولادتها لامير المؤمنين عليه السلام

من أكبر فضائل السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أن الله اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر في بيته الحرام، حيث استضافها الله تعالى في جوف الكعبة ثلاثة أيام فولدت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في ذلك المكان الطاهر.
روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت:
أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.
قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثم قالت:
معاشر الناس إنّ الله عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسى فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلى وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.
قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّ، وقال لـه علي (عليه السلام): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته.
ثم دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا دخل اهتزّ لـه أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون} إلى آخر الآيات.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة فبشّريه به.
فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟
قال: أنا أرويه.
فقالت فاطمة: أنت ترويه؟
قال: نعم، فوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.
قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي (عليه السلام) إلى عنان السماء، قال: ثم شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط.
قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدّته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم، فتمطّى فيها، فقطعها كلّها بإذن الله ثم قال بعد ذلك: يا أمة لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص لربّي بإصبعي.
قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون لـه شأن ونبأ.
قال: فلمّا كان من غد دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على فاطمة فلمّا بصر عليّ (عليه السلام) برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني إليك واسقني بما سقيتني الأمس.
قال: فأخذه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.
قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، يعني أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني علي.
قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا وسلّموا على ولدي علي فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر
وفي حديث آخر: وضعته أمه بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة

فاطمة بنت اسد تتحدّث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، قالت: لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: من يكفل محمداً؟
قالوا: هو أكيس منّا، فقل لـه يختار لنفسه.
فقال عبد المطّلب: يا محمد جدّك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك؟
فنظر في وجوههم ثمّ زحف إلى عند أبي طالب (عليه السلام).
فقال لـه عبد المطّلب: يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن لـه كما كنت له.
قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنت أخدمه وكان يدعوني الأم.
قالت: وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب ، وكان أربعون صبياً من أتراب محمّد، يدخلون علينا كل يوم في البستان، ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها، والآخرون يختلس بعضهم من بعض، وكنت كل يوم ألتقط لمحمد حفنة فما فوقها، وكذلك جاريتي، فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط لـه شيئاً، ونسيت جاريتي، وكان محمّد نائماً، ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب، وانصرفوا فنمت فوضعت الكم على وجهي حياء من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قالت: فانتبه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ودخل البستان فلم يرَ رطبة على وجه الأرض، فانصرف، فقالت لـه الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً، والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.
قالت: فانصرف محمد إلى البستان، وأشار إلى نخلة، وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع!
قالت: فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب، حتى أكل منها محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ما أراد، ثم ارتفعت إلى موضعها.
قالت فاطمة: فتعجّبت، وكان أبو طالب قد خرج من الدار، وكل يوم إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب، فقرع أبو طالب الباب فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت لـه ما رأيت.
فقال: هو إنما يكون نبياً، أنت تلدين وزيره بعد ثلاثين، فولدت علياً (عليه السلام) كما قال.
إن فاطمة بنت أسد ولدت طالباً، ولم نعرف لـه خبراً وقالوا: إنه لا عقب له، وقد توفّي قبل أن يهاجر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بثلاث سنين.
كما ولدت عقيلاً وجعفراً وعلياً، وكل واحد أسنُّ من الآخر بعشر سنين.
وولدت من البنات: اُم هانيء واسمها (فاختة)، وجمانة.

السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) والدة الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)

نسبها وزواجها
هي السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
تقدّم أبو طالب (عليه السلام) إلى والدها أسد بن هاشم وخطبها منه، ولمّا حضرت الوفود لخطبة الزواج والاحتفال بالعروسين، قام أبو طالب وقال:
(الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً، وسدنة، وعرفاء، وخلصاء، وحجّته بهاليل، أطهار من الخنى والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل).
ثم قال: تزوّجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا.
فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم أطعم الناس(1).
ثمّ انتقلت السيّدة فاطمة بنت أسد إلى بيت أبي طالب، المؤمن الموحّد، الذي أقام للشريعة الحنفية أساسها، وركّز للقرآن الكريم دعائمه، وفدى نفسه من أجل حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأباد بحكمته وثباته وأولاده ودفاعه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قواعد الكفر والشرك، وأذناب الشيطان، رحمة الله تعالى وبركاته وتحياته على روحه وبدنه الطاهر إلى أن يبعث حياً.
وقد عاشت السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) إلى جانب أبي طالب (عليه السلام)، وقامت بأعباء المسؤولية في إدارة بيته وتدبير شؤون منزله، بصبر وصدق وإخلاص، وطهارة وصفاء ومحبّة وإيمان وطيب، وأنجبت لـه أولاداً بين ذكور وإناث هم:
1: طالب.
2: عقيل.
3: جعفر.
4: علي (عليه السلام).
5: اُم هانىء.
6: جمانة