زيارة ابو طالب عليه السلام بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم السلام عليك ياسيد البطحاء وابن رئيسها ،السلام عليك ياوارث الكعبة بعد تأسيسها ،السلام عليك ياكافل الرسول وناصره ،السلام عليك ياعم المصطفى وابا المرتضى ، السلام عليك يابيضة البلد ،السلام عليك ايها الذاب عن الدين والباذل نفسه في نصرة سيد المرسلين،السلام عليك وعلى ولدك أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام

الثلاثاء، 3 يناير 2012

قالوا في خديجة

ممّن ذكر خديجة عليها السّلام فأثنى عليها:
أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضوان الله عليها، فقالت للنبيّ صلّى الله عليه وآله تصدّقه فيما ذكر من فضائل خديجة: إنّكَ لا تذكر من خديجة أمراً إلاّ وقد كانت كذلك، غير أنّها مضت إلى ربّها فهنّأها الله بذلك، وجمع بيننا وبينها في جنّته .
وقال ابن إسحاق:كانت خديجة وزيرةَ صِدق في الإسلام . وقال: كانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله بها من كرامته .
وقال محمّد بن أحمد الذهبيّ في بيان فضائلها: أمّ المؤمنين، وسيّدة نساء العالمين في زمانها. مناقبها جمّة، وهي ممّن كمل من النساء.. وكانت عاقلة جليلة، دَيِّنةً مَصونةً كريمة. وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يثني عليها ويعظّمها، بحيث أنّ عائشة كانت تقول: ما غِرتُ من امرأةٍ ما غرتُ من خديجة.
ومن كرامتها على النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّها لم يتزوّج امرأةً قبلها، وجاء منها عدّةُ أولاد، ولم يتزوّج عليها امرأة قطُّ إلى أن قضت نحْبَها، فوجد ( أي حزن ) لفقدها، فإنّها كانت نعم القُربى .
وقال الحافظ عبدالعزيز الجنابذيّ الحنبليّ: كانت خديجة رضي الله عنها امرأة حازمة شريفة، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً. وكلّ قومها قد كان حريصاً على تزويجها، فأبت وعرضت نفسها على النبيّ صلّى الله عليه وآله: يا ابن عمّ، إنّي رغبتُ فيك؛ لقرابتك منّي، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحُسن خُلُقك، وصدق حديثك .
وقال السيّد عبدالحسين شرف الدين الموسويّ في بيان مقام خديجة عليها السّلام: صدّيقة هذه الأمّة، وأوّلها إيماناً وتصديقاً بكتابه، ومواساةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله ( من النساء ). انفردت به خمساً وعشرين سنةً لم تشاركها فيه امرأةٌ ثانية، ولو بقيت ما شاركتها فيه أُخرى، وكانت شريكته في محنته طيلة أيّامها معه .
وقال الكاتب المسيحيّ الأستاذ سليمان كتّاني: أعطت خديجةُ زوجَها حُبّاً، وهي لا ترى أنّها تعطي بل تأخذ منه حبّاً.. فيه كلّ السعادة. وأعطته ثروة وهي لا ترى أنّها تعطي، بل تأخذ منه هدايةً تفوق كلّ كنوز الأرض. وهو بدوره أعطاها حبّاً وتقديراً رفعاها إلى أعلى مرتبة ويقول: ما قام الإسلام إلاّ بسيف عليّ وثروة خديجة .
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: خديجة.. أُولى أُمّهات المؤمنين، وأقرب زوجات النبيّ وأعزّهنّ عليه حيّةً وميّتة. وقفت إلى جانبه سنوات الاضطهاد الأُولى تُؤازه وترعاه، وتُهوّن عليه ما كان يلقى من قريش في سبيل رسالته

المكان الرفيع لخديجة رضوان الله عليها

لا عجَبَ إذن!
أن تحتل خديجة رضوان الله عليها ذلك المقام السامي والمكان الرفيع في حياة الإسلام، وحياة النبيّ صلّى الله عليه وآله.. الذي ظلّ يحفظ لها وفاءها وإخلاصها وإيمانها ومواقفها، ويشكر لها ولاءها ومواساتها إلى آخِر عمره الشريف. يحدّثنا عن ذلك بوضوح عائشة بنت أبي بكر ـ كما يروي عنها ابن عبدالبَرّ وابن الأثير ـ قائلة: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجةَ فيُحسن الثناء عليها. فذكرها يوماً من الأيّام فأدركَتْني الغَيرة، فقلت له: هل كانت إلاّ عجوزاً! فقد أبدلك الله خيراً منها.
قالت عائشة: فغضب حتّى اهتزّ شعرُه من الغضب، ثمّ قال: لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها.. آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتْني إذ كذّبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولادَ النساء.
قالت عائشة: فقلتُ في نفسي: لا أذكرها بسيّئةٍ أبدا .
وقال صلّى الله عليه وآله: أربع نسوة سيّدات سادات عالمهنّ: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد.. وأفضلهن عالَماً فاطمة .
وقال صلّى الله عليه وآله: خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد .
وقال صلّى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون .
ورُوى من مصادر عديدة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لها: يا خديجة! جبريل يُقرئك السلام. وفي بعض الروايات قال جبرئيل عليه السّلام: يا محمّد! إقرأْ على خديجة من ربّها السّلام. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله لها: يا خديجة! هذا جبرئيل يُقرئكِ السّلام مِن ربّكِ. فقالت: الله هو السّلام، ومنه السّلام، وعلى جبرئيل السّلام .
وعن الإمام الصادق عليه السّلام قال: لمّا تُوفّيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة عليها السّلام تلوذ برسول الله صلّى الله عليه وآله وتدور حوله وتقول: أبه، أين أُمّي ؟ فنزل جبرئيل عليه السّلام فقال له: ربُّكَ يأمرك أن تقرأ فاطمة السّلامَ وتقولَ لها: إنّ أُمَّكِ في بيتٍ من قصب ( أي زبرجد مرصَّع ): كِعابه ذهب، وعمده ياقوت أحمر.. بين آسية ومريم بنت عمران. فقالت فاطمة عليها السّلام: إنّ الله هو السّلام، ومنه السّلام، وإليه السّلام

مآثرُ الشرف.. في حياة خديجة عليها السّلام

مَن هي خديجة ؟
قال تعالى: يا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزواجِكَ إنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها فتعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنّ وأُسرِّحْكُنّ سَراحاً جميلا * وإنْ كنتُنّ تُرِدْنَ اللهَ ورسولَهُ والدّارَ الآخِرةَ فإنّ اللهَ أعدَّ للمُحسِناتِ مِنكُنّ أجراً عظيما .
كانت خديجةُ بنت خُوَيلد بن أسد.. من المحسنات اللّواتي ظهرتْ نجابتُهن منذ عهدٍ بعيد، فهي شريفة قريش والملقَّبة في الجاهليّة بـ « الطاهرة »، والمعروفة بسيرتها الكريمة، وفي بعض الآثار أنّ أهل الخير في الجاهليّة هم أهل الخير في الإسلام. وخديجة رضوان الله عليها كانت في العهد الجاهليّ على دين الحنيفيّة وعلى ملّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، فهي من الموحِّدات النجيبات، ومن السلالة التي ينحدر منها النبيّ صلّى الله عليه وآله حيث يلتقيانِ في الجَد الرابع: قصيّ بن كلاب.
وكان الله تعالى قد اختار هذه المرأة بعنايته الربّانية؛ لتكون زوجةً بارّة مخلصة لخاتم الأنبياء وأشرف المرسلين وسيّد الكائنات أجمعين: محمّد بن عبدالله صلوات الله عليه وآله الطيّبين.. ثمّ لتكون أُمّاً حنوناً عطوفاً لسيّدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء البتول عليها أفضل الصلاة والسّلام.. بعد ذلك لتكون جدّةً للأئمّة الميامين من أولاد فاطمة بنت المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم. وإلى ذلك، كانت خديجة رضي الله عنها قد خدمت عليّاً أمير المؤمنين عليه السّلام في بيتها يافعاً وفتىً وصبيّاً ناشئاً، بعد ضمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إيّاه ليعيشا معاً، ولتكون ثالثتها خديجة الكبرى كما يصوّر ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته الغرّاء قائلاً ـ في بيانه لِما كان قبل المبعث الشريف:
ولقد كان ( أي النبيّ صلّى الله عليه وآله ) يُجاوِر في كلّ سنةٍ بـ « حِراء »، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمعْ بيت واحدٌ يومئذٍ في الإسلام غيرَ: رسول الله صلّى الله عليه وآله وخديجةَ وأنا ثالثُهما .
ويروي الشريف الرضي عن أبي يحيى بن عفيف، عن أبيه عن جدّه عفيف، قال: جئتُ في الجاهليّة إلى مكّة وأنا أُريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيتُ العبّاسَ بن عبدالمطّلب ـ وكان رجلاً تاجراً ـ فأنا عنده حيث أنظر إلى الكعبة وقد حلّقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت.. إذ جاء شابٌّ فرمى ببصره إلى السماء، ثمّ قام مستقبِلَ القِبلة، ثمّ لم ألبثْ إلاّ يسيراً حتّى جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً حتّى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشابّ فركع الغلام والمرأة، فسجد الشابّ فسجد الغلام والمرأة.
فقلت: يا عبّاس، أمر عظيم! قال العبّاس: أمرٌ عظيم، أتدري مَن هذا الشابّ ؟ قلت: لا، قال: هذا محمّد بن عبدالله، ابن أخي.. أتدري مَن هذا الغلام ؟ هذا عليٌّ ابن أخي.. أتدري مَن هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنّ ابن أخي هذا أخبرني أنّ ربَّه ربَّ السماء والأرض أمَرَه بهذا الدين الذي هو عليه، ولا ـ واللهِ ـ ما على الأرض كلّها أحدٌ على هذا الدِّين غير هؤلاء الثلاثة

صفيّة بنت عبدالمطّلب

صفيّة بنت عبدالمطّلب
نسبها وبعض شؤونها
هي صفيّة بنت عبدالمطّلب بن هاشم بن عبدمَناف، عمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأمّ الزبير بن العوّام. وقد كان لعبدالمطّلب رضوان الله عليه ستّ بنات، كلّهن من أهل الأدب والفصاحة، إحداهنّ صفيّة التي عُرِفت كونها أديبةً فاضلةً عاقلةً شاعرةً فصيحة.
تزوّجها في الجاهليّة الحارث بن حرب بن أميّة فمات عنها، فتزوّجها العوّام بن خويلد فولدت له الزبير. قالوا: هي شقيقة حمزة، أي أخته لأمّه وأبيه، ولم يختلف أحدٌ في إسلامها. وقد عاشت كثيراً، وتُوفّيت سنة (20) هجريّة ولها (73) سنة، ودُفنت بالبقيع.
وممّا روت صفيّة رحمها الله تعالى أنّها قالت: لمّا سقط الحسين من بطن أمّه (عليهما السلام) وكنتُ وَلِيتُها، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « يا عمّة، هَلُمّي إليَّ ابني »، فقلت: يا رسول الله، إنّا لم ننظّفْه بعد، فقال: يا عمّة أنتِ تُنظّفينه ؟! إنّ الله تعالى قد نظّفه وطهّره » ( أمالي الصدوق:117 / ح 5 ـ المجلس 28 ).
وفيها روى الإمام الباقر عليه السلام قائلاً: « إنّ صفيّة بنت عبدالمطّلب مات ابنٌ لها فأقبلت، فقال لها الثاني: غطّي قُرطَكِ، فإنّ قرابتكِ من رسول الله لا تنفعُكِ شيئاً! فقالت له: هل رأيتَ لي قُرطاً يا ابنَ اللخناء ؟!
ثمّ دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبرَتْه بذلك فبكت، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال: ما بالُ أقوامٍ يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ؟! لو قد قمتُ المقامَ المحمود لَشَفعتُ في عُلوجكم، لا يسألني اليوم أحدٌ مَن أبواه.. إلاّ أخبرته... ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما بالُ الذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ؟!... » ( إلى آخر الرواية التي رواها القمّي في: تفسيره 188:1 ـ عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 145:30 ـ 146 / ح 2، وسفينة البحار للشيخ عبّاس القمّي 94:3 ـ باب صفا. وذكرها المجلسي في المثالب إشارةً من أمير المؤمنين عليه السلام، يراجع: بحار الأنوار 310:30 ).
شجاعتها وصبرها
وُصِفَت صفيّة بنت عبدالمطّلب أنّها كانت من أشجع النساء في زمانها.. روى الشيخ الطوسي في ( أماليه )، وابن حجر العسقلاني في ( الإصابة في تمييز الصحابة ) من رواية أمّ عروة بنت جعفر بن الزبير عن جدّتها صفيّة أنّها قالت:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا خرج إلى الخندق جعل نساءه في أطم يقال له فارع، وجعل معهنّ حسّانَ بن ثابت، فجاء إنسان من اليهود فرقى الحصن حتّى أطلّ علينا، فقلت لحسّان: قمْ فاقتُلْه، فقال: لو كان ذلك فِيّ كنتُ مع رسول الله، ( وفي روايةٍ قال حسّان: يا بنتَ عبدالمطّلب، لقد علمتِ ما أنا بصاحب هذا ). قالت صفيّة: فقمتُ إليه فضربته ( أي اليهوديّ ) حتّى قطعتُ رأسه، ( وفي روايةٍ قالت: فتخرّمتُ ثمّ نزلت وأخذتُ عموداً فقتلتُه به )، وقلت لحسّان: قم فاطرَحْ رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن، فقال: والله ما ذاك. قالت: فأخذتُ رأسه فرميتُ به عليهم، فقالوا: قد عَلِمنا أنّ هذا ( يقصدون النبيّ صلّى الله عليه وآله ) لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحد! فتفرّقوا ( أي وهم يظنّون أنّ هنالك حُماةً من الرجال ).
وفي رواية الشيخ الطوسي: قالت صفيّة: ثمّ قلت لحسّان: اخرُجْ فاسلبه، قال: لا حاجةَ لي في سلبه! ( والفارع: حصنٌ بالمدينة ).
وبعد أن انتهت وقعة أُحد، واستُشهِد فيها أخوها حمزة بن عبدالمطّلب عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومُثِّل به، أقبلت صفيّة، فقال النبيّ لابنها الزبير: « رُدَّها؛ لئلاّ ترى ما بأخيها حمزة »، فلَقِيَها ابنُها الزبير فأعلَمَها بأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقالت: بلغني أنّه مُثِّل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتَسِبَنّ ولأصبِرَنّ. فأعلمَ الزبيرُ رسولَ الله بذلك، فقال: « خلِّ سبيلها »، فأتته وصلّت عليه واسترجَعَت، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله به فدُفن.
وقد قال إعظاماً لحمزة عليه السلام: « لولا أن تحزن صفيّة، لَتركتُ حمزة حتّى يُحشَر من بطون السباع وحواصل الطير » ( بحار الأنوار 33:10 / ح 1 ـ عن: الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن علي الطبرسي ).
من شعرها
قولها رضوان الله عليها في رثاء أبيها عبدالمطّلب عليه السلام:
أرِقتُ لصـوتِ نائحـةٍ بِلَيـلٍ
على رجلٍ بقارعـةِ الصعيـدِ
ففاضت عنـد ذلكـمُ دموعـي
على خَدّي كمُنحَـدَرِ الفـريـدِ
على الفيّاضِ شَيبةِ ذي المعالي
أبيكِ الخير وارثِ كـلِّ جُـودِ
(السيرة النبويّة لابن هشام 178:1 ).
وقولها تعريضاً بأبي سفيان:
ألا مَن مُبلغٌ عنّـي قريشـاً
فَفِيمَ الأمرُ فينـا والأمـارُ
لنا السَّلَفُ المقدَّمُ قد عَلِمتُـم
ولم تُوقد لنا بالغـدرِ نـارُ
وكلُّ مناقب الأخيـارِ فينـا
وبعضُ الأمر منقصةٌ وعارُ
وفي رثائها رحمها الله لرسول الله صلّى الله عليه وآله قالت:
ألا يا رسولَ اللهِ كنتَ رجاءَنا
وكنتَ بنا بَرّاً ولم تكُ جافيا..
وقالت في رثائه صلّى الله عليه وآله أيضاً:
يا عينُ جُودي بدمـعٍ منكِ مُنحدَرِ
ولا تَمَـلّي وبكّـي سيّـدَ البشـرِ
بكّي الرسولَ فقد هَدَّت مصيبتُـهُ
جميعَ قومي وأهلَ البَدْوِ والحضَرِ
ولا تَمَلّي بُكـاكِ الدهـرَ مُعْوِلـةً
عليه ما غَرّد القُمْـرُّ في السَّحَـرِ
وأخيراً.. تُعدّ صفيّة راوية من راويات الحديث النبويّ الشريف.
[ يراجع: ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى لمحبّ الدين الطبري الشافعي:252، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لعبدالبَرّ القرطبي 345:4، وأُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجَزَري 492:5، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني الشافعي 348:4، الدرّ المنثور للسيوطي الشافعي 261:1، الطبقات الكبرى لابن سعد 41:8، تنقيح المقال للشيخ المامقاني 81:3، معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي 194:23، الأعلام للزركلي 297:3، أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين 390:7، رجال البرقي:61 ].

شفاعة فاطمة بنت أسد

فاطمة بنت أسد من جملة أولياء الله المقرّبين الذين شفّعهم في قوله عزّ من قائل: ولا تَنفَعُ الشفاعةُ عِنَدهُ إلاّ لِمَن أَذِنَ له   وقوله تعالى: مَن ذا الّذي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاّ بإذنهِ ، وستشفع فاطمة بنت أسد ويشفع الأئمّة من ذريّتها لمحبّيهم ومُترسّمي خطاهم ومتّبعي نهجهم، من الذين ارتضاهم الله تعالى. قال سبحانه: ولا يَشفَعونَ إلاّ لِمَنِ ارتضى .
وجاء في الرواية أنّ الإمام الصادق عليه السّلام علّم أحد أصحابه التوسّلَ بفاطمة بنت أسد لقضاء حاجةٍ له، فروى داود الرّقّي قال: دخلتُ على أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام، ولي على رَجُلٍ دَين وقد خِفتُ تواه ( أي ضياعه )، فشكوتُ ذلك إليه، فقال: إذا مررتَ بمكّة فطُف عن عبدالمطّلب طوافاً وصَلِّ عنه ركعتَين، وطُف عن أبي طالب طوافاً وصَلِّ عنه ركعتَين، وطُف عن عبدالله طوافاً وصَلّ عنه ركعتَين، وطُف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتَين، وطُف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثمّ ادعُ اللهَ عزّوجلّ أن يردّ عليك مالَكَ. قال: ففعلتُ ذلك، ثمّ خرجتُ من باب الصَّفا، فإذا غريمي واقف يقول: يا داود حَبَسْتَني! تعالَ فاقْضِ حقَّكَ .
وقد نالت هذه السيّدة الجليلة هذا المقامَ الرفيع في الدنيا، وعُدّت في الآخرة في عداد الشفعاء الذين يَشفَعون فيُشفّعهم الله تعالى. وقد جاء في زيارتها ( وسنوردها في آخر الفصل ) عبارة «... ولا تَحرِمني شفاعَتَها وشفاعةَ الأئمّةِ من ذرّيتها... وأدخِلني في شفاعتها... ».
ولم تَنَل بنت أسد مقام الشفاعة السامي الاّ في ظِلّ متابعة النبيّ صلّى الله عليه وآله، والتنزّه عن عبادة الأصنام، والثبات في توحيد الله عزّوجل، وقد برهنت هذه المرأة أنّ المخلوق الضعيف يمكنه أن يرقى في الكمالات، وأن يصون نفسه أمام سيل الحوادث والبلايا، متمسّكاً بعبادة الواحد الأحد الذي لا شريك له.
من رواة النور
ظلّ حفظ الوقائع والأخبار، وحفظ الأحاديث الصادرة عن نبيّ الهُدى صلّى الله عليه وآله وأئمّة الدين منحصراً فترة صدر الإسلام في صدور الصحابة، وكان هؤلاء الرواة يتناقلون أحاديث النبيّ صلّى الله عليه وآله ووقائع الإسلام عن طريق التحديث. وكان من بين هؤلاء الرواة عدّة نساء حَظَينَ ـ إضافةً إلى إدراك محضر المعصوم عليه السّلام ـ بفخر نقل الحديث عنه. ومن هؤلاء النسوة فاطمة بنت أسد وابنتها المكرّمة أم هانئ.
وقد ذكر بعض المؤرّخين أنّ هذه السيّدة الجليلة (فاطمة بنت أسد ) نقلت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله 46 حديثاً. ونتعرّض في هذا المجال إلى إحدى هذه الروايات، نقلاً عن كتاب (الخرائج والجرائح) للقطب الراوندي:
إنّه لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: مَن يَكفُل محمّداً ؟ قالوا: هو أكيس منّا، فقل له يختار لنفسه، فقال عبدالمطّلب: يا محمّد! جدّك على جناح السفر، أيّ عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك ؟
فنظر في وجوههم، ثمّ زَحَف إلى عند أبي طالب، فقال له عبدالمطّلب: يا أبا طالب، إنّي قد عَرَفتُ ديانتكَ وأمانتك، فكُنْ له كما كنتُ له. قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنتُ أخدمه، وكان يدعوني الأمّ ...

عناية فاطمة بنت أسد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله

وكانت فاطمة بنت أسد تُعنى بالنبيّ صلّى الله عليه وآله عناية خاصّة وتُؤثِره على أولادها. وعُرف عنها أنّ أبا طالب لمّا أتاها بالنبيّ صلّى الله عليه وآله بعد وفاة عبدالمطّلب وقال لها:
اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي، وإيّاكِ أن يتعرّض عَلَيه أحدٌ فيما يريد.
فتبسّمت فاطمة ( بنت أسد ) من قوله، وكانت تؤثره على سائر أولادها ـ وكان لها عقيل وجعفر ـ فقالت له:
توصيني في وَلدي محمّد، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي ؟!
ففرح أبو طالب بذلك .
وعلى الرغم من تصريح هذه الرواية بأنّ فاطمة بنت أسد كانت ذات أولاد عند كفالتها للنبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنّ بعض الروايات تدلّ على أنّها لم تكن ذات ولد حينذاك، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله رأى رغبتها في الولد، فقال لها:
يا أُمّه، قرِّبي قُرباناً لوجه الله تعالى خالصاً، ولا تُشركي معه أحداً، فإنّه يرضاه منكِ ويتقبّله ويُعطيك طلبتَكِ ويُعجّله، فامتثلتْ فاطمة أمره وقَرَّبتْ قرباناً لله تعالى خالصاً، وسألَتْهُ أن يرزقها لداً ذَكَراً، فأجاب الله تعالى دعاءها  .
ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأنّ كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله قد تقدّم على زمن كفالة أبي طالب له صلّى الله عليه وآله، وينبغي الالتفات إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يَكبُر أميرَ المؤمنين عليه السّلام بثلاثين عاماً، ممّا يستوجب أن يكون عمره مماثلاً لعمر طالب ولد أبي طالب، ولابدّ إذاً أن يكون عقيل وطالب ـ على أقلّ تقدير ـ قد وُلدا في زمن كفالة فاطمة بنت أسد رسولَ الله صلّى الله عليه وآله.
وعلى أيّ حال ـ فقد اعتَنَت فاطمةُ بنت أسد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله عناية فائقة، وأولَتْه رعايتها وحبّها، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس. وقد أشار الإمام الصادق عليه السّلام إلى ذلك بقوله: « كانت ( فاطمة بنت أسد ) مِن أبَرِّ الناسِ برسول الله صلّى الله عليه وآله » .
وكانت تغسّله وتدهن شَعره وتُرجّله، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ « أمّي »
فلمّا جاءه أميرُ المؤمنين عليه السّلام مضطرباً بعد ذلك بسنين، سأله النبيّ صلّى الله عليه وآله عمّا به، فقال: أمّي ماتت. قال: فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: وأمّي واللهِ، ثمّ بكى وقال: وا أمّاه!  .
وينبغي أن لا ننسى أنّ لعلائم النبوّة التي كانت فاطمة بنت أسد تشاهدها في محمّد صلّى الله عليه وآله وهو صبيّ صغير، الأثرَ الكبير في المحبّة الخاصّة التي انطبعت في قلب فاطمة، ممّا جعلها تكثر إكرامه ورعايته. ومن تلك العلامات والكرامات: ما شاهدته في بستان دارها.
قالت: كان في بستان دارنا نَخلات، وكان أوّل إدراك الرُّطَب، وكان أربعون صبيّاً من أتراب محمّد صلّى الله عليه وآله يدخلون علينا كلّ يوم في البستان ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً أخذ رُطبةً من يدِ صبيّ سَبَقَ إليها، والآخرون يختلس بعضُهم من بعض. وكنتُ كلّ يوم ألتقط لمحمّد صلّى الله عليه وآله حَفنةً فما فوقَها، وكذلك جاريتي. فاتّفق يوماً أن نَسيتُ أن ألتقط له شيئاً ونَسِيَتْ جاريتي، وكان محمّد صلّى الله عليه وآله نائماً، فدخل الصِّبيان وأخذوا كلّ ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمتُ ووضعتُ الكُمّ على وجهي حياءً من محمّد إذا انتبه.
قالت: فانتبه محمّد ودخل البستان، فلم يَرَ رطبةً على الأرض فانصرف، فقالت له الجارية: إنّا نَسِينا أن نلتقط شيئاً، والصِّبيان دخلوا وأكلوا جميع ما سقط.
قالت: فانصرف محمّد صلّى الله عليه وآله إلى البُستان، وأشار إلى نخلة وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع. قالت: فرأيتُ الشجرة قد وَضَعتْ أغصانَها التي عليها الرُّطب حتّى أكل منها محمّد صلّى الله عليه وآله ما أراد، ثمّ ارتفعتْ إلى موضعها .

وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)

وحيث بلغ بنا الحديث إلى ذكر مناقب هذه السيّدة الجليلة فلا بأس بالإشارة إلى بعض المقتطفات التي تدلّ على مقامها الشامخ ومكانتها الرفيعة، وذلك في حديث وفاتها (سلام الله عليها).
فعن عبد الله بن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مه يا علي.
فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد!.
قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: رحم الله اُمّك يا علي، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتى أجيء فإليّ أمرها.
قال: وأقبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي(صلى الله عليه وآله وسلم)فصلّى عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة لم يصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلى القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع لـه أنين ولا حركة..
ثم قال: يا علي اُدخل، يا حسن اُدخل، فدخلا القبر، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال لـه: يا علي اُخرج يا حسن اُخرج، فخرجا، ثم زحف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى صار عند رأسها ثم قال: يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي.
ثم قال: اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت.
ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي.
فقام إليه عمّار بن ياسر فقال: فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة.
فقال: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي؟
لقد كان لها من أبي طالب (عليه السلام) ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.
قال: فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟
قال: نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة.
قال: فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟
قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلى ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة .
وفي بعض الروايات أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كبر على جنازتها سبعين تكبيرة ممّا يدلّ على عظمتها، ففي الحديث أنّه لمّا حانت وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عليها وكبّر سبعين تكبيرة ثم لحّدها في قبرها بيده الكريمة، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّما صلّى عليها سبعون صفّاً من الملائكة.
وإلى جانب ذلك، فإنّ عظم التجليل الذي أولاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لها عند وفاتها وتشييعها ودفنها يدلّ بوضوح على عظم مقامها الرفيع.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من مكة إلى المدينة على قدميها، وكانت من أبرّ الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يبعثك كاسية.
وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك.
وقالت لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً: إنّي اُريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلمّا مرضت أوصت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمرت أن يعتق خادمها واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إيماءً، فقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصيّتها.
فبينما هو(صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك؟
فقال: ماتت اُمّي فاطمة.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):واُمّي والله،وقام مسرعاً حتى دخل فنظر إليها وبكى.
ثم أمر(صلى الله عليه وآله وسلم)النساء أن يغسلنها وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا فرغتنّ فلا تحدثنّ شيئاً حتى تعلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لِمَ فعلته.
فلمّا فرغن من غسلها وكفنها دخل(صلى الله عليه وآله وسلم)فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه.
ثم قال: فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكبّ عليها طويلاً يناجيها ويقول لها: ابنك ابنك (ابنك)، ثم خرج وسوّى عليها ثم انكبّ على قبرها، فسمعوه يقول: لا إله إلاّ الله اللهمّ إنّي أستودعها إيّاك، ثم انصرف.
فقال لـه المسلمون: إنّا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم؟
فقال: اليوم فقدت برّ أبي طالب إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها، وإنّي ذكرت القيامة وأنّ الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية، وذكرت ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك فكفّنتها بقميصي، واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، فإنّها سُئلت عن ربّها فقالت، وسُئلت عن رسولها فأجابت، وسُئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها، فقلت: ابنك ابنك (ابنك)

إيمان فاطمة بنت أسد (عليها السلام)

ويستفاد من هذه الرواية وغيرها أن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لـه تعالى على دين إبراهيم (عليه السلام) ولم تكن تعبد الأصنام أبداً لا كسائر الجاهليين، فلما بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت من السابقات إلى الإسلام والمؤمنات بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم).

فاطمة بنت اسد تتحدّث عن ولادتها لامير المؤمنين عليه السلام

من أكبر فضائل السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أن الله اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر في بيته الحرام، حيث استضافها الله تعالى في جوف الكعبة ثلاثة أيام فولدت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في ذلك المكان الطاهر.
روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت:
أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.
قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثم قالت:
معاشر الناس إنّ الله عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسى فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلى وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.
قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّ، وقال لـه علي (عليه السلام): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته.
ثم دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا دخل اهتزّ لـه أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون} إلى آخر الآيات.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة فبشّريه به.
فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟
قال: أنا أرويه.
فقالت فاطمة: أنت ترويه؟
قال: نعم، فوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.
قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي (عليه السلام) إلى عنان السماء، قال: ثم شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط.
قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدّته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم، فتمطّى فيها، فقطعها كلّها بإذن الله ثم قال بعد ذلك: يا أمة لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص لربّي بإصبعي.
قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون لـه شأن ونبأ.
قال: فلمّا كان من غد دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على فاطمة فلمّا بصر عليّ (عليه السلام) برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني إليك واسقني بما سقيتني الأمس.
قال: فأخذه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.
قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، يعني أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني علي.
قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا وسلّموا على ولدي علي فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر
وفي حديث آخر: وضعته أمه بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة

فاطمة بنت اسد تتحدّث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، قالت: لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: من يكفل محمداً؟
قالوا: هو أكيس منّا، فقل لـه يختار لنفسه.
فقال عبد المطّلب: يا محمد جدّك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك؟
فنظر في وجوههم ثمّ زحف إلى عند أبي طالب (عليه السلام).
فقال لـه عبد المطّلب: يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن لـه كما كنت له.
قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنت أخدمه وكان يدعوني الأم.
قالت: وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب ، وكان أربعون صبياً من أتراب محمّد، يدخلون علينا كل يوم في البستان، ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها، والآخرون يختلس بعضهم من بعض، وكنت كل يوم ألتقط لمحمد حفنة فما فوقها، وكذلك جاريتي، فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط لـه شيئاً، ونسيت جاريتي، وكان محمّد نائماً، ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب، وانصرفوا فنمت فوضعت الكم على وجهي حياء من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قالت: فانتبه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ودخل البستان فلم يرَ رطبة على وجه الأرض، فانصرف، فقالت لـه الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً، والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.
قالت: فانصرف محمد إلى البستان، وأشار إلى نخلة، وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع!
قالت: فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب، حتى أكل منها محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ما أراد، ثم ارتفعت إلى موضعها.
قالت فاطمة: فتعجّبت، وكان أبو طالب قد خرج من الدار، وكل يوم إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب، فقرع أبو طالب الباب فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت لـه ما رأيت.
فقال: هو إنما يكون نبياً، أنت تلدين وزيره بعد ثلاثين، فولدت علياً (عليه السلام) كما قال.
إن فاطمة بنت أسد ولدت طالباً، ولم نعرف لـه خبراً وقالوا: إنه لا عقب له، وقد توفّي قبل أن يهاجر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بثلاث سنين.
كما ولدت عقيلاً وجعفراً وعلياً، وكل واحد أسنُّ من الآخر بعشر سنين.
وولدت من البنات: اُم هانيء واسمها (فاختة)، وجمانة.

السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) والدة الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)

نسبها وزواجها
هي السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
تقدّم أبو طالب (عليه السلام) إلى والدها أسد بن هاشم وخطبها منه، ولمّا حضرت الوفود لخطبة الزواج والاحتفال بالعروسين، قام أبو طالب وقال:
(الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً، وسدنة، وعرفاء، وخلصاء، وحجّته بهاليل، أطهار من الخنى والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل).
ثم قال: تزوّجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا.
فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم أطعم الناس(1).
ثمّ انتقلت السيّدة فاطمة بنت أسد إلى بيت أبي طالب، المؤمن الموحّد، الذي أقام للشريعة الحنفية أساسها، وركّز للقرآن الكريم دعائمه، وفدى نفسه من أجل حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأباد بحكمته وثباته وأولاده ودفاعه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قواعد الكفر والشرك، وأذناب الشيطان، رحمة الله تعالى وبركاته وتحياته على روحه وبدنه الطاهر إلى أن يبعث حياً.
وقد عاشت السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) إلى جانب أبي طالب (عليه السلام)، وقامت بأعباء المسؤولية في إدارة بيته وتدبير شؤون منزله، بصبر وصدق وإخلاص، وطهارة وصفاء ومحبّة وإيمان وطيب، وأنجبت لـه أولاداً بين ذكور وإناث هم:
1: طالب.
2: عقيل.
3: جعفر.
4: علي (عليه السلام).
5: اُم هانىء.
6: جمانة

طالب بن أبي طالب

طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب
الابن الأكبر لأبي طالب رضوان الله عليه


ما جاء من الشيعة في طالب بن أبي طالب ...............................

روى ثقة الإسلام الشيخ الكليني في الكافي

563 - عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بني عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبي طالب فنزل رجازهم وهم يرتجزون ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز ويقول:
يا رب إما يغزون بطالب * في مقنب من هذه المقانب .......
وفي رواية أخرى عن أبي عبدالله عليه السلام :أنه كان أسلم....الكافي الكليني - (ج 8 / ص 310)

وقال الشيخ على النمازي

طالب بن أبي طالب: أسلم، وكان مع المؤمنين يوم بدر خرج معهم يرتجز. وأشعاره في ذلك في روضة الكافي ... مستدرك سفينة البحار

يقول السيد جعفر العاملي (حفظه الله ) في كتاب الصحيح من السيرة :

رجوع طالب بن أبي طالب عن الحرب [ يوم بدر ] :
وخرج مع المشركين من بني هاشم : العباس ، و عقيل ، ونوفل بن الحارث ، وطالب بن أبي طالب .
فأما طالب فخرج مكرها ، فجعل يرتجز ويقول :
يا رب إما يغزون طالـــــب * في مقنب من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب * وليكن المغلوب غير الغالب
فجرت بينه وبين القرشيين ملاحاة وقالوا : والله ، لقد عرفنا أن هواكم مع محمد ، فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة ، ولم يوجد في القتلى ، ولا في الاسرى ، ولا فيمن رجع إلى مكة .وادعى البعض : أنه مات كافرا في غزوة بدر حين وجهه المشركون إلى حرب المسلمين . هكذا قالوا .
ونحن نقول :
أولا : كيف لم يوجد فيمن رجع إلى مكة ، وابن هشام يذكر له قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويبكي أهل القليب - على حد تعبير ابن هشام - يطلب في شعره من بني عبد شمس ونوفل أن لا يثيروا مع الهاشميين حربا تجر المصائب والبلايا ، والاهوال ، وفيها يقول :
فما إن جنينا في قريش عظيمة * سوى أن حمينا خير من وطأ التربا
أخا ثقــة في النـائبـات مـرزأ * كريما ثناه ، لا بخيـــــــلا ولا ذربا
يطيف به العافون يغشون بابه * يـؤمون نهرا لا نـزورا ولا ضربا
وهذا يدل على أنه قد عاش إلى ما بعد وقعة بدر . وأما بكاؤه أهل القليب ، فالظاهر أنه كان مجاراة لقريش ، كما يدل عليه مدحه للنبي صلى الله عليه وآله، وطلبه من بني عبد شمس ونوفل أن لا يحاربوا الهاشميين وإلا ، فكيف نفسر شعره المتقدم :
وليكن المسلوب غير السالب * وليكن المغلوب غير الغالب
ثانيا : لقد ورد في رواية مرسلة عن أبي عبد الله " عليه السلام " : أن طالبا قد أسلم وروي أنه هو القائل :
وخير بني هاشم أحمد * رسول الاله على فترة .
وليس من البعيد : أن تكون قريش قد دبرت أمر التخلص من طالب انتقاما لنفسها ، لما جرى عليها من علي في بدر وغيرها .





ما جاء من علماء السنة فيه.........................................

ونقل الطبري ( 224 هـ ):
وقد كان بين طالب بن أبي طالب وبين بعض قريش محاورة، فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا [ أي في معركة بدر ]- أن هواكم مع محمد. فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع.... تاريخ الطبري

قال البلاذري (279 هـ ):
فولد أبو طالب طالباً - وكان مضعوفاً لا عقب له - وعقيلاً وجعفراً وعلياً، فبين كل واحد منهم والآخر - في قول هشام بن الكلبي عشر سنين....
وقد اختلفوا في أمر طالب
فقائل يقول: رجع من بدر إلى مكة؛ فمات بعد قليل.
وقائل يقول: أتى اليمن فهلك في طريقه
وقال بعضهم: أخرج طالب إلى بدر مكرهاً فقال:
يا رب إما يخرجن طـــالب ... من مقنب من تلكم المقانب
فليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السالب
فزعموا أنه لم يوجد في القتلى، ولا كان في الأسرى، ولا مع المسلمين، ولا أتى مكة، ولكنه أتى الشام فمات بها أو في طريقه......... أنساب الأشراف

قال المسعودي في تاريخه ( 346هـ ):

وَلَدُ أبي طالب بن عبد المطلب أربعة ذكور وابنتان
فطالب و عقيل وجعفر وعلي و فاختة وجُمَانة لأب وأم، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وبين كل واحد من البنين عشر سنين: فطالب الأكبر وبينه وبين عقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر سنتان، وبين جعفر وعلي عشر سنين، وأخرجِ مشركو قريش طالبَ بن أبي طالب يوم بدر إلى حرب رسول اللّه  كرهاَ، ومضى ولم يعرف له خبر..... مروج الذهب

وقال ابن الأثير(630 هـ ) :

وكان بين طالب بن أبي طالب، وهو في القوم، وبين بعض قريش حاورةٌ، فقالوا: والله قد عرفنا أن هواكم مع محمد. فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع، وقيل: إنما كان خرج كرهاً، فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكة، وهو الذي يقول:
يا ربّ إمّا يغـزونّ طالـــب ... في مقنب من هذه المقانب
فيكن المسلوب غير السّالب ... وليكن المغلوب غير الغالب.. الكامل في التاريخ

وفاة ابو طالب عليه السلام

استمرت مناصرة أبي طالب للنبي منذ بعثه الله تعالى ـ لا وهن فيها ولا تخليا بحال من الأحوال حتى لفظ أنفاسه الأخيرة من الدنيا وذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة  وكان ذلك بعد الحصار المشار اليه بسنة ونصف تقريبا، بل أنه لم ينس ـ وهو في آخر رمق من حياته ـ أن يمارس نصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد التفت الى المحيطين به قبيل وفاته، فأوصاهم بالنبي قائلا ((أُوصيكم بمحمد خيرا، فانه الأمين في قريش، والصادق في العرب، والجامع لكل ما أُوصيكم به… والله لا يملك أحد سبيله الا رشد، ولا يهتدي بهديه إلا سعد، ولو كان في العمر بقية لكففت عنه الهزاهز، ورفعت عنه الدواهي. أن محمد هو الصادق فأجيبوا دعوته، واجتمعوا على نصرته، فانه الشريف الباقي لكم على الدهر))

عقيدة أبو طالب عليه السلام

وهذه الوصية وحدها كفيلة بأن تنبىء عن حقيقة عقيدته في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته، ولكن خلافا نشب حول هذه العقيدة فيما بعد البعثة النبوية، وان اتفق الجميع على أنه كان قبلها من المتألهين الحنفاء، وانه لم يعرف عنه أنه هام بصنم أبدا، أو سجد لصنم قط (1)
فالشيعة وبعض المعتزلة وبعض السنة، يرون أنه آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه (2) وان كان لم يعلن ذلك لأسباب كثيرة، ترجع كلها لمصلحة الدعوة الوليدة، وامكان الاستمرار في حمايتها، باعتبار أن المرحلة الأولى لها كانت تقتضي هذا التكتيك و يستشهدون لذلك ـ ضمن ما يستشهدون به:
1- بمواقفه في مؤازرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أسلفنا الاشارة الى بعض منه.
2- وبما روى عنه من أشعار كثيرة تنبىء عن ذلك، ومنها .
قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد ***************   من خير أديان البرية دينا
وقوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ****************   نبيا كموسى خط في أول الكتب
وقوله (3):
فأيده رب العباد بنصره    *****************   وأظهر دينا حقه غير باطل
وقوله (4)
لقد علموا أن أبننا لا مكذب *****************   لدينا ولا يعني بقوله الأباطل
فمن مثله في الناسر الا مؤمل ***************   اذا قاسه الحكام عند التفاضل
وقوله (5)
والله لن يصلوا اليك بجمعهم   *************   حتى أوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة  *************   وابشر وقر بذاك منك عيونا
فهو في هذه الأبيات كلها ـ يصدق محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤمن بنبوته وبدينه، ومن ثم تصدى لنصرته بكل مرتخص وغال.
3- وبما روي في الأخبار الثابتة من أنه:
أ- لم ينكر على ابنه علي عليه السلام ايمانه بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزجره على ذلك، أو ينهه عنه، بل أقره عليه، مع ما يعلمه بما يعرضه ذلك للمتاعب والأهوال (6).
ب- لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا عليه السلام يصلي خلفه عن يمينه ـ وكان معه ولده جعفر ـ قال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فصل عن يساره (7)مما يدل دلالة واضحة على اسلامه فعلا، والا لما أقر ابنه عليا على اسلامه وصلاته، ولما أمر ابنه الثاني جعفرا بأن ينضم الى أخيه في الصلاة، وهي عمود الاسلام، فالولد
هو أعز ما يحرص الانسان على تنشئته وفق آرائه ومعتقداته، بل وعاداته، وبخاصة في ذلك العصر من الزمان، وكذلك البيئة القبلية من المكان، بل كان هذا هو ديدن ناس ذلك الأوان، كما سجله، كذلك، القرآن ـ حكاية عنهم ـ يقول الله تعالى ((انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون(( الزخرف 23
ويزيد هذا تأكيدا أن أبا طالب أنشد، حينئذ، شعرا سجل فيه سعادته بذلك، يقول فيه:
ان عليا وجعفرا ثقتي*************   عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا، وأنصرا ابن عمكما ********   أخي لأمي، من بينهم، وابي
والله لا أخذل النبي، ولا يخذله من بني ذو حسب (8)
فهو لا يكتفي بأمرهما بالصلاة خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، وانما هو يمدحهما ويثني عليهما في ذلك، يأمرهما بنصرته وعدم خذلانه، ويقسم على ألا يصدر منه، ولا من أحد بنيه، خذلان له أبدا.
جـ - أن زوجته فاطمة بنت أسد، (أم علي ـ وجعفر)، كانت ثاني امرأة تدخل في الاسلام، بعد خديجة الكبرى، زوجة رسول الله، مع ما هو معلوم من تأثير كل أم على بنيها ـ ذكورا واناثا ـ ومع ما هو معلوم، أيضا، من أن تقاليد ذلك الزمن كانت تقضي بألايقر الزوج زوجته اذا خرجت عن عقيدته الى عقيدة أخرى. ومن ثم فكيف يتصور ـ أن يقرها أبو طالب ـ وهو من هو في قومه ـ على اسلامها بينما يكون هو باقيا ومصرا على أن يكون على غير الاسلام؟
د- لما علم أن قريش علمت على الدس لدى نجاشي الحبشة ضد مهاجري المسلمين اليها كتب اليه كتابين من الشعر، نبهه في أحدهما الى هذا الدس، وأغراه بأن يكون على الأمل في شهامته وبسط جواره على كل من يلجأ الى حماه، وذلك اذ يقول فيه:
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد  **************   كريم، فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة ***************   وأسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة************   ينال الأعادى نفعها والأقارب (9)
ويدعوه في ثانيهما الى الاسلام، كما جاء فيه، من قوله:
تعلم مليك الحبش أن محمدا **************   نبي كموسى، والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به**************   فكل، بأمر الله، يهدي لمعصم
وانكم تتلونه في كتابكم   ****************   بصدق حديث، لا حديث المرجم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا **************   فان طريق الحق ليس بمظلم(10)
فهل من يدعو الى الاسلام يكون غير مسلم؟
هـ - لما علم بتظاهر قريش على الرسول قال (11):
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا *************   نبيا كموسى خط في أول الكتب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا ***********   لعزاء من عض الزمان ولا كرب
و - لما بلغه أن أحد المشركين، وضع أقذاره على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ساجد في الصلاة، وأنه يسخر من حركاته فيها، ويظاهره في هذه السخرية بعض الحاضرين،
جاء مسرعا مغضبا الى حيث يوجد النبي حينئذ، وسأل من فعل به هذا، فلما علم أنه الشاعر ابن الزبعري لطمه لطمة أدمته، وألقى عليه نفس القاذورات، ولوث بها لحييه، ثم توجه الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ في عطف وحنان ـ فقال له: أرضيت؟ ولم يلبث أن جادت قريحته بشعر يتحدي فيه كل من يقف في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعوته الى دينه، يقول فيه:
أنت النبي محمد        ***************   قدما أعز مسود
أني تضام ولم أمت    ***************   وأنا الشجاع العربد
 وبطاح مكة لا يرى   ***************   فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم        ***************   أسد العرين توقدوا
نعم الأرومة أصلها    ***************   عمرو الحطيم الأوحد
ولقد عهدتك صادقا    ***************   بالقول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصوا ***************   ب وأنت طفل أمرد (12)
1-   وبما روي عن العباس أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، فقال: يارسول الله، ما ترجو لأبي طالب؟ فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((أرجو له كل الخير من الله عز وجل)) (13).
فهل يرجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخير ـ بل كل الخير لأحد، وجهت اليه دعوة الاسلام، ولم يستجب اليها؟
(1)الشيخ الصدوق ـ اكمال الدين: 104.
(2)كتاب في رحاب علي: ص14، 15 وكتاب: ما الفوارق بين السنة والشيعة: ص53 نقلا عن كتاب (أبوطالب) لعبدالعزيز سيّد الأهل.
(3) سيرة ابن هشام: 1/280.
(4)نفس المصدر: 1/280.
(5) شرح النهج: 14/55.
(6)شرح النهج: 14/75.
(7)ابن الأثير أسد الغابة: 1/341.
(8) شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76.
(9)سيرة ابن هشام: 1/333 ـ 334.
(10) المستدرك على الصحيحين للحاكم: 2/623 ـ 624. باختلاف بسيط.
(11) سيرة ابن هشام: 1/352.
(12) ابن أبي الحديد ـ شرح النهج: 14/77.

أبو طالب في كلمات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام

روي عن علي عليه السلام: أن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار. نور محمد صلى الله عليه وآله ونوري، ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين
وروي أيضاً: أن مثله كان مثل أصحاب الكهف.
وأنه كان مستودعاً للوصايا، فدفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وقال الصدوق: روي أن عبد المطلب كان حجة، وأن أبا طالب كان وصيه
وقال المجلسي: بل كان من أوصياء إبراهيم

كفالته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

كان أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبدالله (والد النبي). وقد عهد اليه والده عبدالمطلب بكفالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عند حسن الظن به، حدبا عليه، وانعطافا اليه، ورعاية له وعناية به، حيث لم يجعله فقط، كواحد من أبنائه، بل كان يقدمه عليهم أجمعين(1)
وكان مما زاد في اعزازه عنده، واهتمامه بشأنه وحرصه عليه أن جميع الدلائل كانت ترهص بأن له شأنا في المستقبل. ومن ذلك:
1-    ما يرويه ابن اسحاق من أن ((رجلا عائفا من لهب، كان اذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر اليهم، ويعتاف (2)لهم فيهم، فأتاه أبو طالب بالنبي ـ وهو غلام ـ فنظر اليه.. ثم قال ـ بعد فترة ـ ردوا على هذا الغلام الذي رأيت آنفا، فوالله ليكونن له شأن…. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه، غيبه عنه)).
2-    ما سمعه أبو طالب من بحيرى الراهب، اذ قال له: ((ارجع بابن أخيك الى بلده، وأحذر عليه يهود، فوالله لو رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به الى بلاده(3).))
 
 
3-    ولقد سبق أن سمعه أبو طالب من والده عبدالمطلب في شأنه ثم صدقه كلام العائف والراهب من بعد ـ فكان لهذا أثره الكبير في أنه صار على أتم الثقة من أنه سيكون له شأن عظيم.
4-    ولقد ظل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيت عمه أبي طالب، محل الاعزاز والاكرام والاهتمام والعناية الى أن انتقل الى بيت الزوجية حيث بنى بخديجة بنت خويلد  احدى كرائم مكة، ومعالم ثرائها في تلك الأيام.
ولعل مما يشير الى مكانة النبي عند أبي طالب، وتقديره له أن نستمع اليه ـ وهو يخطب في حفل زواج النبي من السيدة خديجة اذ يقول: ((ان ابن أخي هذا محمد بن عبدالله، من علمتم قرابة وهو لا يوزن بأحد الا رجحه: شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان كان في المال قل، فان المال ظل زائل، وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك. وما أحببتم من الصداق فعلي، ومحمد ـ بعد هذا ـ له نبأ عظيم، وخطر جليل(4) )).
على أن أبا طالب لم يكن يصدر ـ في تقديره لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن مجرد الحب والقرابة بينهما، أو مجرد الاعجاب بمحامد الصفات، وجميل السجايا، وكريم الأخلاق، التي كان يتحلى بها النبي، وانما كان عن اكبار واجلال وتقدير واحترام ـ على ما كان بينهما من فارق السن ودرجة القرابة ـ لشخصية النبي، فكان، وهو كافله وحاميه، يمدحه بالقصائد التي لا يمدح بمثلها الا الملوك والعظماء من مثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا    ****************   على ربوة من فوق عنقاء عطيل
 
وتأوى اليه هشام ان هاشما      ****************   عرانين كعب، آخرا بعد أول
وبمثل قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه   ****************   ثمال اليتامى عصمة للأرامل
 
يطوف به الهلاك من آل هاشم   ****************   فهم عنده في نعمة وفواضل
 
ويقول علي بن يحيى البطريق في بيان سر ذلك ((لولا خاصة النبوة وسرها، لما كان مثل أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شاب قد ربى في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى أولاده. فان هذا الاسلوب من الشعر لا يمدح به التابع من الناس، وانما هو مديح الملوك والعظماء، فاذا تصورت أنه شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم، في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره… علمت موضع خاصة النبوة وسرها، وأن الله تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا (5).
ولم يكتف أبوطالب بهذا وانما وقف حياله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بعثته، يعينه وينصره ويحميه، دون أن يلقى بالا لما يترتب على ذلك من مشاق ومتاعب مادية ومعنوية، وظل على ذلك حتى انتقل الى أخراه.
وحينما تألبت قريش كلها ضد ابن أخيه، وواجهوا أبا طالب في هذا، لم يلن ولم يهن، ودعا بني هاشم وبني عبدالمطلب الى مشاركته في منع الرسول والقيام دونه، فأجمعوا اليه، وقاموا معه، فسر بذلك وطابت نفسه، وتفجرت شاعريته يمدحهم، ويفخر بهم، وذلك اذ يقول:
اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ***********   فعبد مناف سرها وصميمها
وان حصلت أشراف عبد منافها **********   ففي هاشم أشرافها وقديمها
 وان فخرت يوما فان محمدا ************   هو المصطفى من سرها وكريمها (6)
وحينما أحس روح الشر التي سيطرت على قريش قد تجاوزت حدودها، بعد أن ذاع أمر النبي بين القبائل وخشى أن تنضم دهماء العرب ورعاعها
الى المخالفين من قومه، مما لا قبل له به، توجه، مع وفد من بني هاشم، الى البيت متعوذا بحرمته ومكانته، مما يصوره بقوله:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم   ****************   وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى***************   وقد طاوعوا أمر العدو المزابل
 وقد حالفوا قوما علينا أظنة  ****************   يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
 صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ************  وأبيض عضب من تراث المقاول
وأحصرت عند البيت رهطي واخوتي***********   وأمسكت من أثوابه بالوصائل
 أعوذ برب الناس من كل طاعن      ************  علينا بسوء أو ملح بباطل
 وبالبيت حق البيت من بطن مكة**************  وبالله، أن الله ليس بغافل
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ****************   وهل من معيذ يتقي الله عاذل
ولقد كان آخر سهم في جعبة قريش ضد أبي طالب، ومن معه في حماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو فرض الحصار والمقاطعة لبني هاشم، لا يتناكحون معهم، ولا يبايعونهم، فقبل بنو هاشم ذلك التحدي وانحازوا الي شيخهم وكبيرهم أبي طالب في شعبه، ولم يشذ منهم ـ في ذلك ـ الا شقيهم أبو لهب واستمر الحال على ذلك ثلاث سنوات صمدوا خلالها وثبتوا رغم الجوع والأملاق الذي أصابهم حتى هيأ الله من أنهى هذا الحصار.
 
(1)سيرة ابن هشام: 1/179.
(2) يعتاف: يتكهن ويتنبأ.
(3) المصدر السابق: 182.
(4) الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي: 1/238، تاريخ ابن خلدون: 2/712.
(5)شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/63 تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
(6)سيرة ابن هشام: 1/269.