استمرت مناصرة أبي طالب للنبي منذ بعثه الله تعالى ـ لا وهن فيها ولا تخليا بحال من الأحوال حتى لفظ أنفاسه الأخيرة من الدنيا وذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة وكان ذلك بعد الحصار المشار اليه بسنة ونصف تقريبا، بل أنه لم ينس ـ وهو في آخر رمق من حياته ـ أن يمارس نصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد التفت الى المحيطين به قبيل وفاته، فأوصاهم بالنبي قائلا ((أُوصيكم بمحمد خيرا، فانه الأمين في قريش، والصادق في العرب، والجامع لكل ما أُوصيكم به… والله لا يملك أحد سبيله الا رشد، ولا يهتدي بهديه إلا سعد، ولو كان في العمر بقية لكففت عنه الهزاهز، ورفعت عنه الدواهي. أن محمد هو الصادق فأجيبوا دعوته، واجتمعوا على نصرته، فانه الشريف الباقي لكم على الدهر))
إظهار الرسائل ذات التسميات مؤمن قريش ابو طالب رضوان الله عليه. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات مؤمن قريش ابو طالب رضوان الله عليه. إظهار كافة الرسائل
الثلاثاء، 3 يناير 2012
عقيدة أبو طالب عليه السلام
وهذه الوصية وحدها كفيلة بأن تنبىء عن حقيقة عقيدته في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته، ولكن خلافا نشب حول هذه العقيدة فيما بعد البعثة النبوية، وان اتفق الجميع على أنه كان قبلها من المتألهين الحنفاء، وانه لم يعرف عنه أنه هام بصنم أبدا، أو سجد لصنم قط (1)
فالشيعة وبعض المعتزلة وبعض السنة، يرون أنه آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه (2) وان كان لم يعلن ذلك لأسباب كثيرة، ترجع كلها لمصلحة الدعوة الوليدة، وامكان الاستمرار في حمايتها، باعتبار أن المرحلة الأولى لها كانت تقتضي هذا التكتيك و يستشهدون لذلك ـ ضمن ما يستشهدون به:
1- بمواقفه في مؤازرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أسلفنا الاشارة الى بعض منه.
2- وبما روى عنه من أشعار كثيرة تنبىء عن ذلك، ومنها .
قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد *************** من خير أديان البرية دينا
وقوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا **************** نبيا كموسى خط في أول الكتب
وقوله (3):
فأيده رب العباد بنصره ***************** وأظهر دينا حقه غير باطل
وقوله (4)
لقد علموا أن أبننا لا مكذب ***************** لدينا ولا يعني بقوله الأباطل
فمن مثله في الناسر الا مؤمل *************** اذا قاسه الحكام عند التفاضل
فمن مثله في الناسر الا مؤمل *************** اذا قاسه الحكام عند التفاضل
وقوله (5)
والله لن يصلوا اليك بجمعهم ************* حتى أوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة ************* وابشر وقر بذاك منك عيونا
فهو في هذه الأبيات كلها ـ يصدق محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤمن بنبوته وبدينه، ومن ثم تصدى لنصرته بكل مرتخص وغال.
3- وبما روي في الأخبار الثابتة من أنه:
أ- لم ينكر على ابنه علي عليه السلام ايمانه بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزجره على ذلك، أو ينهه عنه، بل أقره عليه، مع ما يعلمه بما يعرضه ذلك للمتاعب والأهوال (6).
ب- لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا عليه السلام يصلي خلفه عن يمينه ـ وكان معه ولده جعفر ـ قال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فصل عن يساره (7)مما يدل دلالة واضحة على اسلامه فعلا، والا لما أقر ابنه عليا على اسلامه وصلاته، ولما أمر ابنه الثاني جعفرا بأن ينضم الى أخيه في الصلاة، وهي عمود الاسلام، فالولد
هو أعز ما يحرص الانسان على تنشئته وفق آرائه ومعتقداته، بل وعاداته، وبخاصة في ذلك العصر من الزمان، وكذلك البيئة القبلية من المكان، بل كان هذا هو ديدن ناس ذلك الأوان، كما سجله، كذلك، القرآن ـ حكاية عنهم ـ يقول الله تعالى ((انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون(( الزخرف 23
ويزيد هذا تأكيدا أن أبا طالب أنشد، حينئذ، شعرا سجل فيه سعادته بذلك، يقول فيه:
ان عليا وجعفرا ثقتي************* عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا، وأنصرا ابن عمكما ******** أخي لأمي، من بينهم، وابي
والله لا أخذل النبي، ولا يخذله من بني ذو حسب (8)
فهو لا يكتفي بأمرهما بالصلاة خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، وانما هو يمدحهما ويثني عليهما في ذلك، يأمرهما بنصرته وعدم خذلانه، ويقسم على ألا يصدر منه، ولا من أحد بنيه، خذلان له أبدا.
جـ - أن زوجته فاطمة بنت أسد، (أم علي ـ وجعفر)، كانت ثاني امرأة تدخل في الاسلام، بعد خديجة الكبرى، زوجة رسول الله، مع ما هو معلوم من تأثير كل أم على بنيها ـ ذكورا واناثا ـ ومع ما هو معلوم، أيضا، من أن تقاليد ذلك الزمن كانت تقضي بألايقر الزوج زوجته اذا خرجت عن عقيدته الى عقيدة أخرى. ومن ثم فكيف يتصور ـ أن يقرها أبو طالب ـ وهو من هو في قومه ـ على اسلامها بينما يكون هو باقيا ومصرا على أن يكون على غير الاسلام؟
د- لما علم أن قريش علمت على الدس لدى نجاشي الحبشة ضد مهاجري المسلمين اليها كتب اليه كتابين من الشعر، نبهه في أحدهما الى هذا الدس، وأغراه بأن يكون على الأمل في شهامته وبسط جواره على كل من يلجأ الى حماه، وذلك اذ يقول فيه:
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد ************** كريم، فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة *************** وأسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة************ ينال الأعادى نفعها والأقارب (9)
تعلم بأن الله زادك بسطة *************** وأسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة************ ينال الأعادى نفعها والأقارب (9)
ويدعوه في ثانيهما الى الاسلام، كما جاء فيه، من قوله:
تعلم مليك الحبش أن محمدا ************** نبي كموسى، والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به************** فكل، بأمر الله، يهدي لمعصم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به************** فكل، بأمر الله، يهدي لمعصم
وانكم تتلونه في كتابكم **************** بصدق حديث، لا حديث المرجم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ************** فان طريق الحق ليس بمظلم(10)
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ************** فان طريق الحق ليس بمظلم(10)
فهل من يدعو الى الاسلام يكون غير مسلم؟
هـ - لما علم بتظاهر قريش على الرسول قال (11):
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ************* نبيا كموسى خط في أول الكتب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا *********** لعزاء من عض الزمان ولا كرب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا *********** لعزاء من عض الزمان ولا كرب
و - لما بلغه أن أحد المشركين، وضع أقذاره على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ساجد في الصلاة، وأنه يسخر من حركاته فيها، ويظاهره في هذه السخرية بعض الحاضرين،
جاء مسرعا مغضبا الى حيث يوجد النبي حينئذ، وسأل من فعل به هذا، فلما علم أنه الشاعر ابن الزبعري لطمه لطمة أدمته، وألقى عليه نفس القاذورات، ولوث بها لحييه، ثم توجه الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ في عطف وحنان ـ فقال له: أرضيت؟ ولم يلبث أن جادت قريحته بشعر يتحدي فيه كل من يقف في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعوته الى دينه، يقول فيه:
أنت النبي محمد *************** قدما أعز مسود
أني تضام ولم أمت *************** وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى *************** فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم *************** أسد العرين توقدوا
نعم الأرومة أصلها *************** عمرو الحطيم الأوحد
ولقد عهدتك صادقا *************** بالقول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصوا *************** ب وأنت طفل أمرد (12)
1- وبما روي عن العباس أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، فقال: يارسول الله، ما ترجو لأبي طالب؟ فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((أرجو له كل الخير من الله عز وجل)) (13).
فهل يرجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخير ـ بل كل الخير لأحد، وجهت اليه دعوة الاسلام، ولم يستجب اليها؟
(1)الشيخ الصدوق ـ اكمال الدين: 104.
(2)كتاب في رحاب علي: ص14، 15 وكتاب: ما الفوارق بين السنة والشيعة: ص53 نقلا عن كتاب (أبوطالب) لعبدالعزيز سيّد الأهل.
(3) سيرة ابن هشام: 1/280.
(4)نفس المصدر: 1/280.
(5) شرح النهج: 14/55.
(6)شرح النهج: 14/75.
(7)ابن الأثير أسد الغابة: 1/341.
(8) شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76.
(9)سيرة ابن هشام: 1/333 ـ 334.
(10) المستدرك على الصحيحين للحاكم: 2/623 ـ 624. باختلاف بسيط.
(11) سيرة ابن هشام: 1/352.
(12) ابن أبي الحديد ـ شرح النهج: 14/77.
أبو طالب في كلمات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
روي عن علي عليه السلام: أن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار. نور محمد صلى الله عليه وآله ونوري، ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين
وروي أيضاً: أن مثله كان مثل أصحاب الكهف.
وأنه كان مستودعاً للوصايا، فدفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وقال الصدوق: روي أن عبد المطلب كان حجة، وأن أبا طالب كان وصيه
وقال المجلسي: بل كان من أوصياء إبراهيم
كفالته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
كان أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبدالله (والد النبي). وقد عهد اليه والده عبدالمطلب بكفالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عند حسن الظن به، حدبا عليه، وانعطافا اليه، ورعاية له وعناية به، حيث لم يجعله فقط، كواحد من أبنائه، بل كان يقدمه عليهم أجمعين(1)
وكان مما زاد في اعزازه عنده، واهتمامه بشأنه وحرصه عليه أن جميع الدلائل كانت ترهص بأن له شأنا في المستقبل. ومن ذلك:
1- ما يرويه ابن اسحاق من أن ((رجلا عائفا من لهب، كان اذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر اليهم، ويعتاف (2)لهم فيهم، فأتاه أبو طالب بالنبي ـ وهو غلام ـ فنظر اليه.. ثم قال ـ بعد فترة ـ ردوا على هذا الغلام الذي رأيت آنفا، فوالله ليكونن له شأن…. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه، غيبه عنه)).
2- ما سمعه أبو طالب من بحيرى الراهب، اذ قال له: ((ارجع بابن أخيك الى بلده، وأحذر عليه يهود، فوالله لو رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به الى بلاده(3).))
| |
3- ولقد سبق أن سمعه أبو طالب من والده عبدالمطلب في شأنه ثم صدقه كلام العائف والراهب من بعد ـ فكان لهذا أثره الكبير في أنه صار على أتم الثقة من أنه سيكون له شأن عظيم.
4- ولقد ظل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيت عمه أبي طالب، محل الاعزاز والاكرام والاهتمام والعناية الى أن انتقل الى بيت الزوجية حيث بنى بخديجة بنت خويلد احدى كرائم مكة، ومعالم ثرائها في تلك الأيام.
ولعل مما يشير الى مكانة النبي عند أبي طالب، وتقديره له أن نستمع اليه ـ وهو يخطب في حفل زواج النبي من السيدة خديجة اذ يقول: ((ان ابن أخي هذا محمد بن عبدالله، من علمتم قرابة وهو لا يوزن بأحد الا رجحه: شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان كان في المال قل، فان المال ظل زائل، وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك. وما أحببتم من الصداق فعلي، ومحمد ـ بعد هذا ـ له نبأ عظيم، وخطر جليل(4) )).
على أن أبا طالب لم يكن يصدر ـ في تقديره لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن مجرد الحب والقرابة بينهما، أو مجرد الاعجاب بمحامد الصفات، وجميل السجايا، وكريم الأخلاق، التي كان يتحلى بها النبي، وانما كان عن اكبار واجلال وتقدير واحترام ـ على ما كان بينهما من فارق السن ودرجة القرابة ـ لشخصية النبي، فكان، وهو كافله وحاميه، يمدحه بالقصائد التي لا يمدح بمثلها الا الملوك والعظماء من مثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا **************** على ربوة من فوق عنقاء عطيل
وتأوى اليه هشام ان هاشما **************** عرانين كعب، آخرا بعد أول
وبمثل قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه **************** ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطوف به الهلاك من آل هاشم **************** فهم عنده في نعمة وفواضل
ويقول علي بن يحيى البطريق في بيان سر ذلك ((لولا خاصة النبوة وسرها، لما كان مثل أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شاب قد ربى في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى أولاده. فان هذا الاسلوب من الشعر لا يمدح به التابع من الناس، وانما هو مديح الملوك والعظماء، فاذا تصورت أنه شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم، في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره… علمت موضع خاصة النبوة وسرها، وأن الله تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا (5).
ولم يكتف أبوطالب بهذا وانما وقف حياله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بعثته، يعينه وينصره ويحميه، دون أن يلقى بالا لما يترتب على ذلك من مشاق ومتاعب مادية ومعنوية، وظل على ذلك حتى انتقل الى أخراه.
وحينما تألبت قريش كلها ضد ابن أخيه، وواجهوا أبا طالب في هذا، لم يلن ولم يهن، ودعا بني هاشم وبني عبدالمطلب الى مشاركته في منع الرسول والقيام دونه، فأجمعوا اليه، وقاموا معه، فسر بذلك وطابت نفسه، وتفجرت شاعريته يمدحهم، ويفخر بهم، وذلك اذ يقول:
اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر *********** فعبد مناف سرها وصميمها
وان حصلت أشراف عبد منافها ********** ففي هاشم أشرافها وقديمها
وان فخرت يوما فان محمدا ************ هو المصطفى من سرها وكريمها (6)
وحينما أحس روح الشر التي سيطرت على قريش قد تجاوزت حدودها، بعد أن ذاع أمر النبي بين القبائل وخشى أن تنضم دهماء العرب ورعاعها
الى المخالفين من قومه، مما لا قبل له به، توجه، مع وفد من بني هاشم، الى البيت متعوذا بحرمته ومكانته، مما يصوره بقوله:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم **************** وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى*************** وقد طاوعوا أمر العدو المزابل
وقد حالفوا قوما علينا أظنة **************** يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ************ وأبيض عضب من تراث المقاول
وأحصرت عند البيت رهطي واخوتي*********** وأمسكت من أثوابه بالوصائل
أعوذ برب الناس من كل طاعن ************ علينا بسوء أو ملح بباطل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة************** وبالله، أن الله ليس بغافل
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ **************** وهل من معيذ يتقي الله عاذل
ولقد كان آخر سهم في جعبة قريش ضد أبي طالب، ومن معه في حماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو فرض الحصار والمقاطعة لبني هاشم، لا يتناكحون معهم، ولا يبايعونهم، فقبل بنو هاشم ذلك التحدي وانحازوا الي شيخهم وكبيرهم أبي طالب في شعبه، ولم يشذ منهم ـ في ذلك ـ الا شقيهم أبو لهب واستمر الحال على ذلك ثلاث سنوات صمدوا خلالها وثبتوا رغم الجوع والأملاق الذي أصابهم حتى هيأ الله من أنهى هذا الحصار.
(1)سيرة ابن هشام: 1/179.
(2) يعتاف: يتكهن ويتنبأ.
(3) المصدر السابق: 182.
(4) الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي: 1/238، تاريخ ابن خلدون: 2/712.
(5)شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/63 تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
(6)سيرة ابن هشام: 1/269.
شخصية أبو طالب و سيادته في قومه
كانت شخصية أبي طالب القوية تسيطر على النفوس بطهارتها واستقامتها وترفعها عن الدنيا، الى أنه مع ذلك، كان شاعرا مجيدا، فأضاف الى تأثيره بالشخصية تأثيره باللسان وسحر البيان.
ولقد خلف أبو طالب أباه عبدالمطلب في كل مناصبه ومكانته، ولكن ضيق حالته المالية جعله يكل الى أخيه العباس شأن السقاية وأعباءها نظرا لما كان له من ثراء واسع، يعينه على أن ينهض بمهمتها بصورة أحسن تتناسب
كان أبو طالب عليه السلام شيخاً جسيماً، وسيماً، عليه بهاء الملوك، ووقار الحكماء..
وقيل لأكثم بن صيفي: ممن تعلمت الحكمة، والرياسة، والحلم، والسيادة؟ فقال: من حليف العلم، والأدب، سيد العجم والعرب،أبي طالب بن عبد المطلب
وكان أبو طالب عليه السلام ممن يهابه الرجال، ويكره غضبه وقال النويري: «كان أبو طالب حاكم قريش، وسيدها، ومرجعها في الملمات وهو ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في فضل أمير المؤمنين عليه السلام:
ما أقول في رجل أبوه أبو طالب، سيد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكة؟
وقالوا: قلَّ أن يسود فقير، وساد أبو طالب، وهو فقير لا مال له..
وكانت قريش تسميه (الشيخ(
إلى أن قال: وهو الذي كفل رسول الله صلى الله عليه وآله صغيراً، وحماه وحاطه كبيراً، ومنعه من مشركي قريش، ولقي لأجله عناء
عظيماً، وقاسى بلاء شديداً، وصبر على نصره، والقيام بأمره. وجاء في الخبر: أنه لما توفي أبو طالب: أوحي إليه، وقيل له: اخرج منها، فقد مات ناصرك
اسمه ونسبه
اسمه: عبد مناف بن عبدالمطلب.
لقبه: ابوطالب. وقد غلبت عليه هذه الكنية حتى لم يعرف أن أحدا كان يناديه باسمه الأصلي (عبد مناف) أبدا.
وقيل إن اسم أبي طالب عليه السلام: عمران، وقيل: عبد مناف، وقيل اسمه: لقبه.
ويؤيد الثاني ما روي من أن عبد المطلب قال:
أوصيك يا عبد مناف بعدي | بموحد بعد أبيه فرد |
وقال:
وصّيت من كنيته بطالب | عبد مناف، وهو ذو تجارب.. |
وقد سمي عبد مناف، لأنه أناف على الناس وعلا
ويؤيد الأول ما قالوه، من أنه قد ورد في زيارة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والمروية في بعض كتب أصحابنا:
السلام على عمك عمران أبي طالب
ويؤيد أن اسمه كنيته، ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه كتب في بعض الرسائل: علي بن أبو طالب
إلا أن يقال: إن كتابة الياء في الخط الكوفي تشبه كتابة الواو..
و«قال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه (يعني أبا طالب) كنيته
أبـــو طـالـب كفيــل الرسـول
أبـــو طـالـب
كفيــل الرسـول
ولـولا أبـو طـالب وابنـه
لما مثل الدين شخصاً فقامـا
فـذاك بمـكة آوى وحـامى
وهذا بيـثرب جـس الحماما
تكـفل عبـد منـاف بـأمـر
وأودى فـكان عـلـيٌّ تمامـا
فقل في ثبـير مضى بعد مـا
قضى ما قضـاه وأبقى شماما
فـللّـه ذا فـاتـحـاً للهـدى
ولله ذا للمـعـالـي خـتامـا
وما ضـر مجـد أبـي طـالب
جـهول لغا أو بصـير تعامـى
كـما لا يضـر إِيـاة الصـباح
من ظـن ضوء النهار الظـلاما
(لابن أبي الحديد المعتزلي)
نَسَــبـهوهو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم.
كان عبد المطلب أول من طيّب غار حراء بذكر الله، فإذا استهل رمضان صعد حراء وأطعم المساكين ورفع من مائدته إلى الطير والوحوش في رؤوس الجبال.
وهو وحده الذي يدبر أمر السقاية ورعاية الحجاج، فقد حفر بئر زمزم بين الوثنين بعدما جاءه الهاتف:
"أحفر زمزم..لا تنزف أبداً ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النحل.."
وهو الذي أراد ذبح أحد أبناءه العشرة وفاء بنذره وتقع القرعة على عبدالله والد النبي وكان أحبهم إليه، فيعرض بني مخزوم أموالهم كلها فداء لعبدالله، ثم يفتديه عبد المطلب بعشر من الإبل، ويعود عبدالله منتصراً بعد هذه الطاعة لله ولأبيه.
(أسندوا خبرا إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي جبرئيل إن الله مشفعك في ستة بطن حملتك آمنه بنت وهب وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب وحجر كفلك أبي طالب وبيت آواك عبد المطلب وأخ كان لك في الجاهلية... وقد نقل الناس كافه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية فوجب بهذا أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك)(البحار ج35ص156روايه85باب3).
ألقـابـه
أشـهرها: شيخ البطحاء، شيخ الأباطح، ومؤمن قريش.
نشـأتـهنشأ أبو طالب في بيت كريم ورأى في أبيه عبد المطلب ذلك الزعيم المطاع والرجل المهوب والذي لُقب بالفيّاض ومطعم طير السماء وهو مرضيٌّ عنه في السماء ومحمود في الأرض فدُعي "شيبة الحمد"، وهو عميق الإيمان لم يفارق الحنيفية البيضاء ولم يخالجه الشك في ما جاءت به ملة إبراهيم عليه السلام وصدق دعوته التي وحد فيها الرب الأعظم، فهو يرفض أن يسجد لصنم، وإنه ليُحرّم الخمر على نفسه ويحرّم نكاح المحارم، ويحدد الطواف بالبيت سبع مرات بعد أن كان غير محدودة ويحرم الزنا وينهى عن الموؤدة، وأن يؤكل ما ذُبح على النُّصب ويسن الوفاء بالنذر…… ويجيء الإسلام فيُقر كل هذه السنن التي سنّها عبد المطلب.
وإن أبا طالب ليسمع أباه في نجواه يوم جاء أبرهة لهدم الكعبة:
"اللهم أنيس المستوحشين، ولا وحشة معك فالبيت بيتك، والحرم حرمك والدار دارك، ونحن جيرانك، إنك تمنع عنه ما تشاء، ورب الدار أولى بالدار".
ثم أنشأ يقول:
ياربّ لا أرجو لهم سـواكا
يارب فامنع منهمو حِـماكا
إن عدوّ البيت مَن عـاداكا
إمنعهمو أن يخربوا فـناكا
وقد صودرت لعبد المطلب أنعام وكان جوابه: "أنا ربّ الإبل. وللبيت ربٌّ يحميه"
ثم يدعو الله وإذا بالطير الأبابيل تحلق في السماء لتقذفهم بالحجارة.وهذا يكشف بوضوح عن إيمان عبد المطلب بالله تعالى وتوكله عليه سبحانه.
ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم انقطع فيها الغيث عن مكة فيفزع جمع من بطون مكة لعبد المطلب لعلّه يسأل الله تعالى فيهم، فكان عبد المطلب عند وعده لهم، فيأمر ابنه أبا طالب أن يحضر المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو رضيع في قماط… وها هو ذا في عرفات والناس وولده حوله وفي حجره الحفيد الحبيب محمد اليتيم صلى الله عليه وآله وسلم فيضع في يديه ويستقبل الكعبة، ورماه نحو السماء وناجي ربه بقلب يطفح بالعقيدة: "يارب بحق هذا الغلام"، ورماه ثانيا وثالثا وكان يقول: "بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً" .. فإذا بسحابة دكناء قصدت نحوه وهي جواب دعوته تحول الجدب إلى خصب.. وببركة ذلك النور كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور، وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا يقول عليّ بابني ويجلسه بجنبه ويؤثره بأطيب طعامه.
وكان عبد المطلب يختلي بولده أبو طالب ويحدثه عمّا سيكون لمحمدٍ هذا اليتيم الصغير من شأن كبير ويوصيه به قائلا:
"يا أبا طالب، إن لهذا الغلام لشأناً عظيماً، …… انصره بيدك ولسانك ومالك."
ويقول له: "قد خلفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطئون به رقاب الناس".
ولمّا مات كان عمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثماني سنوات.
شـخصيـته
كان الشخصية الأولى التي تحفل بكل مقومات الزعيم بعد أبيه وانتهج منهجه بعد وفاته، وورث منه ملامحه وخصائصه، فقام بواجبه من سقاية الحاج، وكان المعطاء بغير منّة، والوَصول للرحم، ذو العقل الراجح والنظر البعيد، وله بالتشريع دراية وقد حرّم الخمر على نفسه قبل أن يحرمها القرآن الكريم.
(..عن الصادق عليه السلام عن آبائه أن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذب في النار. فقال عليه السلام: مه، فض الله فاك، والذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو شفع أبي في كل مذنب على وجد الأرض لشفعه الله فيهم، أبي يعذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟ والذي بعث محمداً بالحق إن نور أبي طالب ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار: نور محمد، ونور فاطمة، ونور الحسن، ونور الحسين، ونور ولده من الأئمة، ألا إن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام)(بحار الأنوار ج35ص69رواية3باب3).
زواجـه من فاطـمة بنت أسـد
تزوج أبو طالب من فاطمة بنت أسد بن هاشم التي تجتمع معه في النسب في هاشم، وكانت من الهاشميات الفواضل في الكمال والتربية ولم يتزوج غيرها، وقد قال حين خطبها: "الحمد لله رب العالمين. رب العرش العظيم والمقام الكريم والمشعر والحطيم الذي اصطفانا أعلاماً وسادة وعرفاء خلصاً وقادة………… وقد تزوجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر وأنفذت الأمر فاشهدوا.."
.. فقال أسد ابوها: "زوجناك ورضينا بك..". وأطعم الناس أبو طالب سبعة أيام متتاليات.
كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، فلما أنزل الله سبحانه:
(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ...)(الممتحنة/12).
دعا النبي النساء إلى البيعة وكانت هي أول امرأة بايعت رسول الله وهاجرت معه إلى المدينة، وحضرت معه بدراً، ثم مرضت وجعلت النبي وصياً عليها، وعند وفاتها تولى النبي دفنها بنفسه وألبسها قميصه واضطجع في قبرها وأنشأ يبكي ويقول: "جزاك الله خيراً لقد كنت خير أم… إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها………… إني ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها ضغطة القبر".
وقد أنجب أبو طالب من الأولاد الذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي وهو أصغرهم سنّا، وبنتا وهي أم هاني.
أبـو طـالب كفيـل الرسـول
(..عن الأئمة الراشدين من آل محمد صلوات الله عليهم أنهم سُئلوا عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتفق على روايته المجمع على صحته: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة". فقالوا: أراد بكافل اليتيم عمه أبا طالب، لأنه كفله يتيما من أبويه، ولم يزل شفيقاً عليه)(بحار الأنوار ج35ص117رواية58باب3).
أراد الله سبحانه من أبو طالب أن يكون كافل نبي الإسلام –الصورة الكاملة للإنسان- فكان أبو طالب كافل محمد اليتيم أولاً، ونصير الرسول وحاميه والمؤمن برسالته ثانياً، بعد موت جده عبد المطلب. فقد اتحدت الروحان حتى كان من الصعب أن يستطيعا فراقاً.
فعندما كانت مكة في قحط من احتباس المطر، لجأوا إلى أبا طالب، فخرج لهم ومعه غلام صغير وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فألصق أبو طالب ظهر الغلام بالكعبة، ولاذ الغلام بإصبعه إلى السماء.. فأقبل السحاب، وكثر قطره، فأخصب النادي والبادي.
ولما بلغ النبي اثنتي عشرة سنة أخذه أبو طالب معه إلى الشام ليعرفه على عالم وأمم لم يعرف عنها شيئا، وفي هذه السفرة اجتمعا مع الرهبان ومن جملتهم الراهب بحيرا الذي أخبر أبا طالب أن كتبهم أخبرتهم عن نبي عظيم الشأن ودلت على علاماته… وكانت تلك العلامات موجودة بابن أخيه.
ولما بلغ النبي أربع عشرة سنة أحضره عمّه معه في حرب الفجار والتي كانت بين كنانة وقيس وكانت قريش تساعد كنانة.
ولما بلغ النبي الخامسة والعشرين فكّر أبو طالب أن يجعله مستقلاً في الشؤون التي تؤمن مستقبله وكانت في ذلك الوقت خديجة بنت خويلد تاجرة معروفة بصدقها وأمانتها ووجها من وجوه مكة المحبوبة الموثوقة، فجعل أبو طالب علاقة تجارية بينها وبين ابن أخيه ومكنها بينهما.
وظل أبو طالب مع ابن أخيه على تلك التربية لا يترك فرصة من الفرص التي يستفيد منها النبي إلا اغتنمها وبصّره بأحوالها..
خطبة أبو طالب في زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخطبة خديجة بنت خويلد، حضر معه أعمامه وعلى رأسهم سيدهم أبو طالب فيقول:
"الحمدلله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضِئضئِ معدَّ(الضُّؤضؤ والضِّضئ:الأصل والمعدن)، وعنصر مضر، وجعلنا حضَنةَ بيته، وسُوّاس حرمهِ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً، وحرماً آمناً، وجعلنا حكّام الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوازن به رجل إلاّ رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً..وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظلٌّ زائلٌ، وأمرٌ حائلٌ، وعارية مسترجعة، ومحمدٌ من قد عرفتم قرابته.. وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها ما عاجله وآجله "كذا"…… وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليلٌ جسيم."
والخطبة نلتمس منها ما يُقرّه أبو طالب:
افتتح مقاله بحمد الله الذي جعلهم من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل..فكانوا عنصراً ممتدا للحنيفية البيضاء ولم تدنسهم منهم الوثنية المنحطة.
إشادته بقيمة ابن أخيه المعنويه… فهو الراجح الكفة في ميزان القيم والمعنويات وليس من يدانيه في صفاته ومزاياه.
تأكيد أبو طالب على انتساب النبي إليه "ومحمد من قد عرفتم قرابته".
الإقرار والإيمان بالنبوة والقسم بشأن النبي العظيم "وهو والله … له نبا عظيم".
الارتقاب والإعلان بالخطر الجليل الجسيم وهو الرسالة وهداية محمد صلى الله عليه وآله وسلم للبشر وختم صفحة النبوة.
الدعـوة المحـمّديـه
بأمر من الله عز وجل:
(وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(الشعراء/214).
يعلن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعشيرته بني عبد المطلب دعوته للإسلام.. ويتجه لعمه أبو طالب الذي يعده بنصرة رسالته، ويشجعه ليمضي قُدما: "أخرج ابن أبي فإنك الرفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلى أباً.. والله لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسن حداد واجتذبته سيوف حداد.. والله لتذلنّ لك العرب ذل البهم لحاضنها".
ولو لم يكن أبو طالب ذلك المؤمن بالدعوة لرأيناه ينهى ابنه عليّاً عن الانصياع لها، إلاّ أنه قال لابنه:
"أما إنه لا يدعوك إلاّ إلى خير، فالزمه".
وذلك حين رآه يصلي خلف الرسول وقد اختفيا حذرا من المشركين.وإنه ليرى الرسول يصلي مرة أخرى وعليٌّ عليه السلام عن يمينه، فيقع منه النظر على ابنه جعفر ويهتف به:
"صِلْ جناح ابن عمك. فصلِّ عن يساره"
وينطلق بهذه الأبيات:إن عـليّـاً وجعفـراً ثقـتي
عنـد ملمّ الزمـان والنّـُوب
لا تخـذلا، وانصرا ابن عمكما
أخـي لأمـي من بينهم وأبـي
والله لا أخــذل النـبـي ولا
يخـذله من بـنيَّ ذو حسـب
فهو قسمُ عظيم وفّاه أبو طالب ولم يخذل النبي طوال حياته.
كما يدعو أخيه الحمزة لإظهار دين الله وأن يصبر على المكروه الذي سيلقاه نتيجة هذا الإظهار، ثم يسرّه حمزة بقوله: "إني مؤمن..".عرفت قريش موقف أبي طالب من الرسالة الجديدة وساءها أن يقف هذا الموقف الجريء الصلب ويشجع الرسول العظيم في بث رسالته والدعوة إليها ويعده بالنصرة والجهاد، ولم تكن نصرته في نطاق ضيق فحسب بل هو نصير الرسالة ذاتها ونصير كل من يعتنقها، فكان يجير المعذبين من المسلمين، ويغضب لذلك غضبة الليث المرعب، فأبو طالب داعية إسلامية يشيد بكل مأثرة يراها لصاحب الرسالة ويدعو الناس لتصديق الرسول تارة، ويشيد بمنزلة الدين واعتناق الدين تارة أخرى.
شـعب أبـو طـالب
لمّا فشلت قريش في محاولاتها مع أبو طالب، أخذوا يؤذونه بإيذاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حينئذ أمر أبو طالب بني هاشم وبني عبد المطلب بأن يدخلوا مع النبي إلى الشعب ليكونوا بعيدين عن تهجمات قريش.
فقررت قرش ضرب نطاقا من الحصار السلمي الاقتصادي على شعب أبي طالب وعلقوا صحيفة على الكعبة بأن يكونوا يداً واحدة على بني هاشم والمطلب لا يهادنونهم ولا يقبلون منهم صلحا ولا يتناكحون وإياهم ولا يبيعون إليهم ولا يبتاعون منهم.
وهنا يتجلّى إيمان أبي طالب فقد أبلى وخديجة البلاء الحسن في تدبير الغذاء والقوت الضروري لمدة ثلاث سنوات إلى أن أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله قد سلط الأرضة على الصحيفة فأكلتها وأرغمت قريش عندها على رفع الحصار وعادت لهم الحياة في مجراها الطبيعي.
فهذه الحادثة أبرز برهان على إيمان أبو طالب وتصديقه برسالة رسول الله بدرجة لا يشوبها شك ولا خوف.
وفـاة أبـو طـالـب
عند احتضار أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة النبوية أوصى بوصايا أشرك فيها وجهاء قريش، وهي وصايا لا تصدر إلا عن مؤمن عميق له إحاطة بباطن التشريع وأسراره.
أوصاهم بالكعبة وتعظيمها لأنها من شعائر الله…
أمرهم بصلة الأرحام ونهى عن قطعها..
نهاهم عن البغي والعقوق فهما معولا هدم المجتمع..
أمرهم بإجابة دعوة الداعي وإعطاء السائل فهما يضمنان شرف الدنيا والآخرة..
أمرهم بصدق الحديث وأداء الأمانة فهما دليلان على رفعة النفس وطهارة الضمير..
وكل هذه فروض إسلامية جاء بها دين الله الذي اختار لأدائه ابن أخيه وربيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الجامع لكل الخصال التي أوصى بها. فإنهم إن سلكوا مسلكه وأخذوا بهديه كان الرشد إلى جانبهم وكانوا من السعداء:
"لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمدٍ وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا"
.. ضاقت الدنيا بوجه النبي واعترض نعش عمه حزيناً كئيباً وقال:
"وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً.. وا أبتاه.. وا طالباه.. وا حزناه عليك يا عمّاه.. كيف أسلو عنك يا من ربيتني صغيراً وحميتني كبيراً وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد.."
إنّ من العار على الإسلام والمسلمين أن يكون إسلام أبي طالب موضع جدال أو شك بين المسلمين أنفسهم.. فولا العقيدة والإيمان المتمكنان في قلب أبي طالب لما كفل وحفظ وحمى وضحّى وجاهد في سبيل رفعة دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة أو تزيد.
المصادر:
السيرة النبوية الشريفة(أحمد مغنية-صالح التاروتي)
أبو طالب مؤمن قريش(عبدالله الشيخ علي الخنيزي)
إيمان أبو طالب(شمس الدين أبي علي الموسوي)
بحار الأنوار
من هو مؤمن قريش؟؟
هو أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ووالد امير المؤمنين علي عليه السلام شيخ البطحاء والدرع الواقي لرسول الله صلى الله عليه وآله منذ بزوغ شمس الرسالة إلى يوم قبضه الله إليه، حيث وقف كالسد المنيع يحول بين الوثنية - وهي القوة العظمى التي كانت حينذاك تمسك بمقدرات العالم - وبين تحقيق أهدافها في وأد الرسالة السماوية والدعاة إليها.
وله في هذا السبيل مواقف مشهورة تفوق الاحصاء، ولكن هذا التأريخ بدفتيه مفتوح بين يديك، ويكفيك أن تطالع فيه صفحات أيام الضغط على رسول الله صلى الله عليه وآله وذويه والمقاطعة الشاملة لهم، وحبسهم في " شعب أبي طالب " لترى أن أبا طالب كان الرجل الوحيد الذي تعهد حفظهم وحراستهم، وتكفل أرزاقهم.
وكفاك شاهدا على عظم منزلته عند الله ورسوله أن الرسول الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى، اشتد وجده وهاج حزنه بعد وفاة عمه وناصره أبي طالب، وسمى ذلك العام بعام الحزن، ولم يمكنه بعدها المقام بمكة فاضطر إلى الهجرة إلى المدينة المنورةإيمـان أبـي طـالب عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
إيمـان أبـي طـالب عليه السلام
(وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً)
(النساء/94)
كيفيـة التعامل مع الذين يريدون دخول الإسـلامفي هذا المقطع الشريف من الآية المباركة تقرير لنداء قرآني ورباني، وحاصل هذا النداء دعوة الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالتعامل بصدور منشرحة وبانفتاح ومرونة مع من يريد الدخول إلى الإسلام ولا يكون الإنسان قصير النظر أو ضيق التفكير فيتعامل مع الآخرين بجدية وخشونة وبالتالي يؤدي إلى تنفير الناس من الإسلام.
فهداية الناس ليس بالضرورة أن تكون هداية كاملة في مرحلة واحدة، بل قد تكون الهداية على مراحل وفترات متعددة بحيث في كل مرحلة يؤدي دور معين ومع التدريج يصل الإنسان إلى النتيجة المطلوبة والكاملة.
ومن هنا ورد في آداب الدين:
"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبث لا أرض قطع ولا ظهر أبقى".
ومعنى ذلك أنه يجب عليك أيها الإنسان أن تتوغل في الدين برفق ولا تكلّف نفسك فوق طاقتها حتى لا تنفر منه نهائياً.إذن مبدأ التدرج في التعامل مع الآخرين والتدرج في دعوة الآخرين هو مبدأ ديني من جهة ومبدأ عقلاني من جهة أخرى فالدين الإسلامي دين عقل ومنطق وصواب.
فالذي يعلن إسلامه لا يكون قد بلغ مرتبة اليقين فهذه المرتبة لا يلقاها إلاّ الذين صبروا ولا يلقاها إلاّ ذو حظ عظيم.
وبالتالي من يدخل إلى الإسلام يكون قلبه مملوء بالشكوك وبعد التمعن في الدين تزول هذه الشكوك تدريجياً ويستقر الدين في قلبه.
والقانون الإسلامي لا يفرق بين من كان ظاهر الإسلام ومن كان قلبه مليء بالإيمان في إطلاق لفظ المسلم عليه فكلاهما سيان في إطلاق الإسلام عليه. ولهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد عاتب بعض القادة العسكريين لأنهم قد قتلوا أناس قد أظهروا الإسلام بدعوى أن الإيمان لم يستقر في قلوبهم.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنى لم أؤمر أن أشق قلوب الناس.
فقالوا: يا رسول الله أنهم لم يؤمنوا الإيمان الحقيقي.
فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألم يشهدوا الشهادتين؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: إذن دخل في حوزة الإسلام والمسلمين.
فليس من وظيفة الإنسان ولا من وظيفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل قلوب الناس ويعرف مدى إيمانهم بل يكفى الإسلام الظاهري، وقد تختلف هذه الموازين في الآخرة فرُبّ إنسان في ظاهره إيمان ويتعامل مع المسلمين وهو كالمسلمين ولكن يوم القيامة يُحشر مع الكافرين وهذا علمها عند رب العالمين.
طـرق إثبات إسـلام المسلم المعاصـر
الإقرار بأنه مسلم.
الالتزام بظاهر المسلمين العامة.
البيّـنة.
طـرق إثبات إسـلام المسلم الغيـر معاصر
من خلال التبحّر في التاريخ نجد أن التاريخ يقبل الروايات في شأن إسلام الأفراد بدون سند وخبر مثال هو ما يروى عن إسلام أبو سفيان حيث يروى التاريخ أنه أسلم عام فتح مكة فجاء به العباس بن عبد المطلب وقال له:
أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله.
فتوقف قليلاً فلزّه العباس وقال له ثانية: أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله.
فقال له أبو سفيان: لو كان إله غير الله لأغنى عنّا يوم بدر.
فقال العباس: قل أشهد أن لا إله إلا الله، فقالها.
قال العباس: قل أشهد أن محمداً رسول الله.
فقال أبو سفيان: الأولى قلتها والثانية أعفني عنها.
فرد عليه العباس: هذا ليس هو الإسلام وإن لم تقل الثانية دقّ عنقك.
وهذه إحدى طرق قبول إسلام الأفراد ويرويه التاريخ ويقبله والجمهور ويعتبرونه من أكابر المسلمين!!
والقانون الشرعي الإسلامي يحث على التعامل مع ظاهر الإسلام مادام كان ملتزماً بضروريات الدين وبالأخص المتفقة عليها مثل التوحيد والنبوة والميعاد ولكن المختلفة عليها مثل العدل والإمامة من أنكرها لا توجب كفران المسلم.
إذاً لماذا هذه الهجمة على أبي طالب؟
من أسباب التشكيك في إيمان أبو طالب
كتمان إيمانه:
كان أبو طالب لا يعلن إيمانه حتى يتمكن من الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف، وبتعبير الإمام الصادق عليهم السلام: كتموا إيمانهم فأثابهم الله سبحانه مرتين ثواب الإيمان وثواب الكتمان.
الحقد على أبي طالب:
فقد كان يرى المشركون والمنافقون أن أبي طالب كان السبب في إقامة الدين وتقوية وحماية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحقد على علي ابن أبي طالب عليه السلام:
فقد صرّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يا علي أنت مبتلى ومبتلٍ بك.
فقد أبتلى أمير المؤمنين عليه السلام وأبنائه ومحبيه وشيعته بكره المنافقين والمشركين فقد نسب الكفر إلى أبيه كما نسب صفة الخوارج لمحبيه وصفة الزنادقة لشيعته.أدلـة أيمـان أبي طـالب
من الأدلة الثابتة على إيمان أبي طالب ما يرويه ابن أبي الحديد من مصادر الجمهور عن العباس بن عبدالمطلب وعن الخليفة الأول:
"والله ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه الرضا فشهد الشهادتين".
شهادة أهل البيت عليهم السلام:
الشهادات التي قامت على إيمان وإسلام أبو طالب شهادات كثيرة ويكفيها فخراً شهادة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقبل التطرق إلى شهادة أهل البيت عليهم السلام لابد من طرح أصل من الأصول العملية وهو حجية قول أهل البيت عليهم السلام.
لا يمكن لمسلم يعتقد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعتقد بأن أهل البيت هم كسفينة نوح كما روى ابن حجر من ركبها نجى ومن تخلف عنها هوى وأنهم ثاني الثقلين بنص حديث الثقلين الذي يرويه أحمد في سنده ثم يأتي ويقول أن قول أهل البيت ليس حجة.
ومن شهادة علي بن الحسين عليه السلام حيث سأله سائل عن إيمان أبي طالب وهل مات مشركاً: فقال عليه السلام:
"كيف يكون مشركاً وقد منع الله نبيه أن يفرق مسلمة تحت مشرك".
أي كيف تكون الزوجة المسلمة تحت المشرك؟
فمن الأحكام القانونية إذا أسلمت مسلمة فرّق الإسلام بينها وبين زوجها المشرك كما فرّق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته زينب من زوجها أبي العاص بن الربيع عندما أسلمت وبقي هو على كفره ولم ترجع إليه إلاّ عندما أعلن إسلامه.
فيجيب الإمام السجاد عليه السلام أن لو كان أبو طالب مشرك لفرّق الإسلام بينه وبين زوجته فاطمة بنت أسد. إذن مَن قَبِل حجية أهل البيت عليهم السلام فعليه أن يقبل شهادتهم في أيمان أبي طالب في قِبال قول المغيرة بن شعبة الذي يروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن أبا طالب في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه.
ولو تأملنا في سند هذه الرواية: فإن المغيرة بن شعبة لا يعتبر ثقة لا في علم الرجال ولا عند علماء الجرح والتعديل.
مضافاً لذلك إن هناك خلل في سند هذه الرواية: حيث عُرف المغيرة بعدائه لأهل البيت عليهم السلام ومبغض لعلي عليه السلام وبني هاشم وهذا سبب لعدم قبول روايته حيث لا يخفى على إنسان أنّ في الفقه الإسلامي في باب القضاء إذا كان هناك عداوة بين الشاهد والمشهود عليه تسقط شهادة الشاهد وهذا باتفاق جميع مذاهب المسلمين.
وإذا تأملنا في دلالة الرواية: فإن هذا الأسلوب ليس من أسلوب العرب وهم المبدعون في البلاغة العربية فكيف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى أن يأتي بهذا الأسلوب الضعيف. حاشا لرسول الله.
ومعنى الضحضاح: هو الحويض القليل من النار والعرب لم يرد لهم في اللغة أن جاءوا بهذا التعبير (نهر من النار).
إذن لا تُقبل بهذه الرواية لا من حيث السند ولا من حيث الدلالة.
بعض الآيات التي قيلت أنها نزلت في شأن أبو طالب
1- البعض قال أن قوله تعالى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ)(الأنعام/26). أنها نزلت في أبي طالب.
ولمناقشة هذا القول يجب أن نسأل: ما هو الدليل؟
يقولون: تفسير قتادة.
وهنا نطرح سؤال هل قول قتادة كقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القبول؟ هل قول قتادة حجة؟ وهو القائل بأن يزيد مِن أولي الأمر.
وقتادة يروى عن سفيان الثوري الذي قيل عنه في علم الرجال كذاب وضعيف ويقول عنه آخر مغلط مخلط أي كثير الغلط والخلط.
2- في قوله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(القصص56).
والرواية التي تقول أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يتمنى هداية أبو طالب ولكنه مات كافراً ويستدل بهذه الآية وهذه الرواية يرويها سعيد ابن المسين.
ونطرح التساءل مرة أخرى: هل قول سعيد حجة؟ وهو الذي قيل له أحضر جنازة علي أبن الحسين زين العابدين يقول: ركعتان أصليهم خير من تشييع جنازة علي ابن الحسين. وكان من الناصرين للحجاج.
3- آية: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(التوبة/113).
قال فيها بعض المفسرين المقصود من المشركين أبو طالب وأن الرسول كان يستغفر لأبي طالب.
ويمكن مناقشة هذا الرأي من جهتين:
1- هذا الدليل على العكس، كيف؟
باعتراف الكل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر لأبي طالب والاستغفار للمشرك غير جائز في الإسلام فكيف يقدم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي كان يجسّد أحكام ومفاهيم الله في الوجود ولا يمكن عليه الخطأ والخطيئة على الأقل في التطبيقات المؤثرة على التشريع.
إذن استغفار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي طالب بذاته دليل على إيمان أبي طالب عليه السلام.
2- هذه الآية قد وردت في سورة التوبة وقد نزلت هذه الآية في عام 9 هجري وأبي طالب قد توفي 3 سنوات قبل الهجرة أي بين وفاة أبو طالب ونزول هذه الآية 12 سنة.
إذن ليس كل من فسر بالرأي أو التزم بطرق التفسير الصحيح أخذ بتفسيره إلاّ إذا استند إلى آية أخرى، أو اتبع الطرق الصحيحة في التفسير.
3- مواقف أبو طالب وتصريحاته النثرية والشعرية:
التاريخ ملئ بالتواتر المعنوي عن تصريحات أبو طالب النثرية والشعرية ومواقفه الدفاعية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الرسالة الإسلامية.
فمن خلال أبياته الشعرية نلتمس ثبات موقفه وحبّه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كنبي من أنبياء الله سبحانه وتعالى.
فيقول في أبياته:
يا شـاهـد الله عـليّ فاشـهـد
أنـي عـلى ديـن النـبي أحـمدِ
وفي بيت آخر:والله لن يصـلوا إليـك بجـمعهم
حـتى أُوسّـد بالتـراب دفـيـنا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضـة
وأبشـر بذاك وقـرّ منك عيونـا
ولقـد عـلمت بأن ديـن محـمد
من خيـر أديـان البـرية دينـا
ألم تعـلموا أن وجدنـا محـمداً
نبيٌ كمـوسى خط في أول الكفد
ومن مواقفه ودفاعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما ألقت قريش على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العلهج وهو ساجد في الصلاة، فأحضرهم جميعاً وقبض لحاهم بالدماء وقال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:أنت النـبي محـمـد
قـرم أغـر مـسـود
لمسـود بـن أكـارم
طـابوا وطاب المـولد
مازالت تنطق بالصواب
وأنـت طـفـل أمـرد
وإصراره وقوله لابنه علي عليه السلام أن يقف بجانب ابن عمه ثم يقول:إن عـليّـاً وجـعفـراً ثقـتي
عنـد ملّـم الزمـان والنـوب
لا تخـذلا وانصـرا ابن عمكما
أخـي لأمي من بيـنهم وأبـي
تـالله لا أخـذل النـبـي ولا
يخـذلـه من بـني ذو حسـب
وموقفه العظيم حين ينيم ولده علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الشعب حتى يحافظ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا من حيث الرابطة النسبية فالولد في الرابطة النسبية أقرب من ابن الأخ ولكن من حيث الموقف العقائدي الذي يعتقد به أبو طالب حيث يقول لابنه علي عليه السلام:أصبر يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب
قد بذلنـا والبلاء شديد لفـداء الحبيب وابن الحبيب
كل حـيّ وإن تمـلّى زمان آخذ من حمام بنصـيب
ويرد عليه علي عليه السلام:سأسعى بعون الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)