زيارة ابو طالب عليه السلام بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم السلام عليك ياسيد البطحاء وابن رئيسها ،السلام عليك ياوارث الكعبة بعد تأسيسها ،السلام عليك ياكافل الرسول وناصره ،السلام عليك ياعم المصطفى وابا المرتضى ، السلام عليك يابيضة البلد ،السلام عليك ايها الذاب عن الدين والباذل نفسه في نصرة سيد المرسلين،السلام عليك وعلى ولدك أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام

الثلاثاء، 3 يناير 2012

كفالته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

كان أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبدالله (والد النبي). وقد عهد اليه والده عبدالمطلب بكفالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عند حسن الظن به، حدبا عليه، وانعطافا اليه، ورعاية له وعناية به، حيث لم يجعله فقط، كواحد من أبنائه، بل كان يقدمه عليهم أجمعين(1)
وكان مما زاد في اعزازه عنده، واهتمامه بشأنه وحرصه عليه أن جميع الدلائل كانت ترهص بأن له شأنا في المستقبل. ومن ذلك:
1-    ما يرويه ابن اسحاق من أن ((رجلا عائفا من لهب، كان اذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر اليهم، ويعتاف (2)لهم فيهم، فأتاه أبو طالب بالنبي ـ وهو غلام ـ فنظر اليه.. ثم قال ـ بعد فترة ـ ردوا على هذا الغلام الذي رأيت آنفا، فوالله ليكونن له شأن…. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه، غيبه عنه)).
2-    ما سمعه أبو طالب من بحيرى الراهب، اذ قال له: ((ارجع بابن أخيك الى بلده، وأحذر عليه يهود، فوالله لو رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به الى بلاده(3).))
 
 
3-    ولقد سبق أن سمعه أبو طالب من والده عبدالمطلب في شأنه ثم صدقه كلام العائف والراهب من بعد ـ فكان لهذا أثره الكبير في أنه صار على أتم الثقة من أنه سيكون له شأن عظيم.
4-    ولقد ظل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيت عمه أبي طالب، محل الاعزاز والاكرام والاهتمام والعناية الى أن انتقل الى بيت الزوجية حيث بنى بخديجة بنت خويلد  احدى كرائم مكة، ومعالم ثرائها في تلك الأيام.
ولعل مما يشير الى مكانة النبي عند أبي طالب، وتقديره له أن نستمع اليه ـ وهو يخطب في حفل زواج النبي من السيدة خديجة اذ يقول: ((ان ابن أخي هذا محمد بن عبدالله، من علمتم قرابة وهو لا يوزن بأحد الا رجحه: شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان كان في المال قل، فان المال ظل زائل، وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك. وما أحببتم من الصداق فعلي، ومحمد ـ بعد هذا ـ له نبأ عظيم، وخطر جليل(4) )).
على أن أبا طالب لم يكن يصدر ـ في تقديره لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن مجرد الحب والقرابة بينهما، أو مجرد الاعجاب بمحامد الصفات، وجميل السجايا، وكريم الأخلاق، التي كان يتحلى بها النبي، وانما كان عن اكبار واجلال وتقدير واحترام ـ على ما كان بينهما من فارق السن ودرجة القرابة ـ لشخصية النبي، فكان، وهو كافله وحاميه، يمدحه بالقصائد التي لا يمدح بمثلها الا الملوك والعظماء من مثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا    ****************   على ربوة من فوق عنقاء عطيل
 
وتأوى اليه هشام ان هاشما      ****************   عرانين كعب، آخرا بعد أول
وبمثل قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه   ****************   ثمال اليتامى عصمة للأرامل
 
يطوف به الهلاك من آل هاشم   ****************   فهم عنده في نعمة وفواضل
 
ويقول علي بن يحيى البطريق في بيان سر ذلك ((لولا خاصة النبوة وسرها، لما كان مثل أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شاب قد ربى في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى أولاده. فان هذا الاسلوب من الشعر لا يمدح به التابع من الناس، وانما هو مديح الملوك والعظماء، فاذا تصورت أنه شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم، في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره… علمت موضع خاصة النبوة وسرها، وأن الله تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا (5).
ولم يكتف أبوطالب بهذا وانما وقف حياله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بعثته، يعينه وينصره ويحميه، دون أن يلقى بالا لما يترتب على ذلك من مشاق ومتاعب مادية ومعنوية، وظل على ذلك حتى انتقل الى أخراه.
وحينما تألبت قريش كلها ضد ابن أخيه، وواجهوا أبا طالب في هذا، لم يلن ولم يهن، ودعا بني هاشم وبني عبدالمطلب الى مشاركته في منع الرسول والقيام دونه، فأجمعوا اليه، وقاموا معه، فسر بذلك وطابت نفسه، وتفجرت شاعريته يمدحهم، ويفخر بهم، وذلك اذ يقول:
اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ***********   فعبد مناف سرها وصميمها
وان حصلت أشراف عبد منافها **********   ففي هاشم أشرافها وقديمها
 وان فخرت يوما فان محمدا ************   هو المصطفى من سرها وكريمها (6)
وحينما أحس روح الشر التي سيطرت على قريش قد تجاوزت حدودها، بعد أن ذاع أمر النبي بين القبائل وخشى أن تنضم دهماء العرب ورعاعها
الى المخالفين من قومه، مما لا قبل له به، توجه، مع وفد من بني هاشم، الى البيت متعوذا بحرمته ومكانته، مما يصوره بقوله:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم   ****************   وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى***************   وقد طاوعوا أمر العدو المزابل
 وقد حالفوا قوما علينا أظنة  ****************   يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
 صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ************  وأبيض عضب من تراث المقاول
وأحصرت عند البيت رهطي واخوتي***********   وأمسكت من أثوابه بالوصائل
 أعوذ برب الناس من كل طاعن      ************  علينا بسوء أو ملح بباطل
 وبالبيت حق البيت من بطن مكة**************  وبالله، أن الله ليس بغافل
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ****************   وهل من معيذ يتقي الله عاذل
ولقد كان آخر سهم في جعبة قريش ضد أبي طالب، ومن معه في حماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو فرض الحصار والمقاطعة لبني هاشم، لا يتناكحون معهم، ولا يبايعونهم، فقبل بنو هاشم ذلك التحدي وانحازوا الي شيخهم وكبيرهم أبي طالب في شعبه، ولم يشذ منهم ـ في ذلك ـ الا شقيهم أبو لهب واستمر الحال على ذلك ثلاث سنوات صمدوا خلالها وثبتوا رغم الجوع والأملاق الذي أصابهم حتى هيأ الله من أنهى هذا الحصار.
 
(1)سيرة ابن هشام: 1/179.
(2) يعتاف: يتكهن ويتنبأ.
(3) المصدر السابق: 182.
(4) الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي: 1/238، تاريخ ابن خلدون: 2/712.
(5)شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/63 تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
(6)سيرة ابن هشام: 1/269.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق