زيارة ابو طالب عليه السلام بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم السلام عليك ياسيد البطحاء وابن رئيسها ،السلام عليك ياوارث الكعبة بعد تأسيسها ،السلام عليك ياكافل الرسول وناصره ،السلام عليك ياعم المصطفى وابا المرتضى ، السلام عليك يابيضة البلد ،السلام عليك ايها الذاب عن الدين والباذل نفسه في نصرة سيد المرسلين،السلام عليك وعلى ولدك أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام

الثلاثاء، 3 يناير 2012

عقيدة أبو طالب عليه السلام

وهذه الوصية وحدها كفيلة بأن تنبىء عن حقيقة عقيدته في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته، ولكن خلافا نشب حول هذه العقيدة فيما بعد البعثة النبوية، وان اتفق الجميع على أنه كان قبلها من المتألهين الحنفاء، وانه لم يعرف عنه أنه هام بصنم أبدا، أو سجد لصنم قط (1)
فالشيعة وبعض المعتزلة وبعض السنة، يرون أنه آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه (2) وان كان لم يعلن ذلك لأسباب كثيرة، ترجع كلها لمصلحة الدعوة الوليدة، وامكان الاستمرار في حمايتها، باعتبار أن المرحلة الأولى لها كانت تقتضي هذا التكتيك و يستشهدون لذلك ـ ضمن ما يستشهدون به:
1- بمواقفه في مؤازرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أسلفنا الاشارة الى بعض منه.
2- وبما روى عنه من أشعار كثيرة تنبىء عن ذلك، ومنها .
قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد ***************   من خير أديان البرية دينا
وقوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ****************   نبيا كموسى خط في أول الكتب
وقوله (3):
فأيده رب العباد بنصره    *****************   وأظهر دينا حقه غير باطل
وقوله (4)
لقد علموا أن أبننا لا مكذب *****************   لدينا ولا يعني بقوله الأباطل
فمن مثله في الناسر الا مؤمل ***************   اذا قاسه الحكام عند التفاضل
وقوله (5)
والله لن يصلوا اليك بجمعهم   *************   حتى أوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة  *************   وابشر وقر بذاك منك عيونا
فهو في هذه الأبيات كلها ـ يصدق محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤمن بنبوته وبدينه، ومن ثم تصدى لنصرته بكل مرتخص وغال.
3- وبما روي في الأخبار الثابتة من أنه:
أ- لم ينكر على ابنه علي عليه السلام ايمانه بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزجره على ذلك، أو ينهه عنه، بل أقره عليه، مع ما يعلمه بما يعرضه ذلك للمتاعب والأهوال (6).
ب- لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا عليه السلام يصلي خلفه عن يمينه ـ وكان معه ولده جعفر ـ قال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فصل عن يساره (7)مما يدل دلالة واضحة على اسلامه فعلا، والا لما أقر ابنه عليا على اسلامه وصلاته، ولما أمر ابنه الثاني جعفرا بأن ينضم الى أخيه في الصلاة، وهي عمود الاسلام، فالولد
هو أعز ما يحرص الانسان على تنشئته وفق آرائه ومعتقداته، بل وعاداته، وبخاصة في ذلك العصر من الزمان، وكذلك البيئة القبلية من المكان، بل كان هذا هو ديدن ناس ذلك الأوان، كما سجله، كذلك، القرآن ـ حكاية عنهم ـ يقول الله تعالى ((انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون(( الزخرف 23
ويزيد هذا تأكيدا أن أبا طالب أنشد، حينئذ، شعرا سجل فيه سعادته بذلك، يقول فيه:
ان عليا وجعفرا ثقتي*************   عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا، وأنصرا ابن عمكما ********   أخي لأمي، من بينهم، وابي
والله لا أخذل النبي، ولا يخذله من بني ذو حسب (8)
فهو لا يكتفي بأمرهما بالصلاة خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، وانما هو يمدحهما ويثني عليهما في ذلك، يأمرهما بنصرته وعدم خذلانه، ويقسم على ألا يصدر منه، ولا من أحد بنيه، خذلان له أبدا.
جـ - أن زوجته فاطمة بنت أسد، (أم علي ـ وجعفر)، كانت ثاني امرأة تدخل في الاسلام، بعد خديجة الكبرى، زوجة رسول الله، مع ما هو معلوم من تأثير كل أم على بنيها ـ ذكورا واناثا ـ ومع ما هو معلوم، أيضا، من أن تقاليد ذلك الزمن كانت تقضي بألايقر الزوج زوجته اذا خرجت عن عقيدته الى عقيدة أخرى. ومن ثم فكيف يتصور ـ أن يقرها أبو طالب ـ وهو من هو في قومه ـ على اسلامها بينما يكون هو باقيا ومصرا على أن يكون على غير الاسلام؟
د- لما علم أن قريش علمت على الدس لدى نجاشي الحبشة ضد مهاجري المسلمين اليها كتب اليه كتابين من الشعر، نبهه في أحدهما الى هذا الدس، وأغراه بأن يكون على الأمل في شهامته وبسط جواره على كل من يلجأ الى حماه، وذلك اذ يقول فيه:
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد  **************   كريم، فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة ***************   وأسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة************   ينال الأعادى نفعها والأقارب (9)
ويدعوه في ثانيهما الى الاسلام، كما جاء فيه، من قوله:
تعلم مليك الحبش أن محمدا **************   نبي كموسى، والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به**************   فكل، بأمر الله، يهدي لمعصم
وانكم تتلونه في كتابكم   ****************   بصدق حديث، لا حديث المرجم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا **************   فان طريق الحق ليس بمظلم(10)
فهل من يدعو الى الاسلام يكون غير مسلم؟
هـ - لما علم بتظاهر قريش على الرسول قال (11):
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا *************   نبيا كموسى خط في أول الكتب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا ***********   لعزاء من عض الزمان ولا كرب
و - لما بلغه أن أحد المشركين، وضع أقذاره على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ساجد في الصلاة، وأنه يسخر من حركاته فيها، ويظاهره في هذه السخرية بعض الحاضرين،
جاء مسرعا مغضبا الى حيث يوجد النبي حينئذ، وسأل من فعل به هذا، فلما علم أنه الشاعر ابن الزبعري لطمه لطمة أدمته، وألقى عليه نفس القاذورات، ولوث بها لحييه، ثم توجه الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ في عطف وحنان ـ فقال له: أرضيت؟ ولم يلبث أن جادت قريحته بشعر يتحدي فيه كل من يقف في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعوته الى دينه، يقول فيه:
أنت النبي محمد        ***************   قدما أعز مسود
أني تضام ولم أمت    ***************   وأنا الشجاع العربد
 وبطاح مكة لا يرى   ***************   فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم        ***************   أسد العرين توقدوا
نعم الأرومة أصلها    ***************   عمرو الحطيم الأوحد
ولقد عهدتك صادقا    ***************   بالقول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصوا ***************   ب وأنت طفل أمرد (12)
1-   وبما روي عن العباس أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، فقال: يارسول الله، ما ترجو لأبي طالب؟ فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((أرجو له كل الخير من الله عز وجل)) (13).
فهل يرجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخير ـ بل كل الخير لأحد، وجهت اليه دعوة الاسلام، ولم يستجب اليها؟
(1)الشيخ الصدوق ـ اكمال الدين: 104.
(2)كتاب في رحاب علي: ص14، 15 وكتاب: ما الفوارق بين السنة والشيعة: ص53 نقلا عن كتاب (أبوطالب) لعبدالعزيز سيّد الأهل.
(3) سيرة ابن هشام: 1/280.
(4)نفس المصدر: 1/280.
(5) شرح النهج: 14/55.
(6)شرح النهج: 14/75.
(7)ابن الأثير أسد الغابة: 1/341.
(8) شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76.
(9)سيرة ابن هشام: 1/333 ـ 334.
(10) المستدرك على الصحيحين للحاكم: 2/623 ـ 624. باختلاف بسيط.
(11) سيرة ابن هشام: 1/352.
(12) ابن أبي الحديد ـ شرح النهج: 14/77.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق